د. سمير صالحة - العربي الجديد
هدف خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، المعلن، باتجاه إقامة مناطق آمنة في بلدان الحروب و"بؤر التوتر" في المنطقة هو إبقاء السكان المدنيين داخل أراضيهم أو في المناطق الحدودية مع دول الجوار، وقطع الطريق على عمليات اللجوء والهجرة غير الشرعية نحو الغرب.
هو يقول إنه يريد حماية مصالح الطرفين على طريقة "لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم"، بمنطق تاجر الجملة الجالس فوق بضاعته ويساوم عليها.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد طرح هذه المسألة، قبل ثلاث سنوات، على الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، والمجتمع الدولي، بالأهداف نفسها التي ذكرها ترامب، لكنها لم تلق آذانا صاغية. وكان أردوغان، ومن خلال مشروع كهذا، يتطلع أيضا إلى تعطيل خطط أكراد سورية في الانفصال أولا، وتشجيع أبناء عمومتهم في جنوب شرق تركيا على إعلان كيانهم المستقل ثانيا.
ما رفضه السلف يقترحه الخلف في أقل من أسبوعين على تسلمه مهام الإدارة في البيت الأبيض. ويريد الرئيس الأميركي الجديد ربما توفير الحماية لهذه المنطقة الكردية، عبر حمايتها من خطر النظام السوري الذي لم نره كثيرا يشكل خطرا عليها، لكنه، في الحقيقة، يريد حمايتها من الأتراك والعرب، لتكون نواة التمدد والانتشار الكردي الجديد، وريثما يتم العثور على العاصمة التي تليق بهذه الدويلة، الرّقة بدل القامشلي مثلا، الحلم يستحق المغامرة.
عارض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، دائما الاقتراح التركي في سورية، وهذه المرة هو متخوف من حصول تفاهم أميركي – تركي في هذا الخصوص، لكنه قد يبدل رأيه هو الآخر، لأنه يعرف تماما أن هناك فرصه كبيرة في أن تكون هذه المناطق مركز الدفع في مشروع خططه الإقليمية ودستوره السوري: سورية بلا هوية قومية وعرقية ودينية، تجمعات سكانية في دوائر جغرافية تصغر وتكبر حسب المصالح والنفوذ، ريثما تجهز الدولة الكردية الكبرى في شقيها، التركي والإيراني.
أكراد العراق وسورية وتركيا في حالة غليان دائم. المشكلة هي على الجبهة الإيرانية.
المواجهة العسكرية الأميركية الإيرانية ضرورية وحتمية إذا لإكمال مخططٍ من هذا النوع. روسيا لن تدافع عن إيران إذا ما تأكدت من نوايا ترامب حيالها، ودول كثيرة في المنطقة سترحب للتخلص من النفوذ والتمدّد والخطر الإيراني، إذا ما كان الرئيس الأميركي جادا في تهديداته. تفتيت إيران يحقق أكثر من هدفٍ لأكثر من دولة، حتى ولو كان الثمن فتح الطريق هناك أيضا أمام كيان كردي يظهر سريعا إلى العلن، ويكمل حلقة ناقصة في المشروع.
قد يعجب المخطط إسرائيل لأكثر من سبب، بشقه المتعلق في الجانب التركي من الحدود التركية السورية مثلا، حيث مثلث جزيرة ابن عمر الغني بمياه نهري دجلة والفرات (لماذا تذكّرنا فجاة مشروع أمن إسرائيل المائي، وشعارها الديني التاريخي بين الفرات والنيل؟)، على الرغم من إعلان أنقرة تمسّكها بإنجاز مهمة المضي، حتى النهاية، في عملية درع الفرات، وتطهير منطقة غرب النهر من التنظيمات الإرهابية، بعرض 95 كلم، تمتد من جرابلس شرقاً وحتى إعزاز غربًا، وبعمق يصل إلى 40 كلم، باتجاه الباب، وهي البقعة الجغرافية التي تطمح أنقرة إلى تحويلها منطقة آمنة في شمال سورية، لكن متابعين كثيرين يرون أن على حكومة حزب العدالة والتنمية أن تراجع خططها وأهدافها هناك.
وكانت أنقرة، وما زالت تقول، إن "المنطقة الآمنة" قد تكون خطوة مهمة على طريق الحل في سورية، لكن التصور الأميركي الذي يروجه ترامب في موضوع المناطق الآمنة قد يدفعها إلى مراجعة مواقفها، وربما هذا ما دفع الرئيس أردوغان إلى تبديل رأيه، والتخلي عن المشاركة في معركة الرّقة. وقد يكون إعلانه، قبل أيام، أن بلاده لن تتقدم في العمق السوري أكثر من ذلك بعد إنهاء معركة الباب قد تكون رسالةً تركية إلى موسكو وواشنطن أيضا. الخطر على تركيا بعد الآن هو أن تتحوّل المنطقة السورية الآمنة التي تريدها، وتدافع عنها، إلى مصيدةٍ تسقط هي فيها عندما تتحول إلى مستنقعات عرقية ومذهبية، تحتاج إلى الحماية الدولية.
ما أعلنه المتحدث باسم قوات سورية الديمقراطية، مثلا، إن قوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة التي تقاتل تنظيم الدولة الإسلامية، زوّدت حلفاءها السوريين بمركبات مدرّعة لأول مرة، ما يوسّع الدعم منذ تنصيب دونالد ترامب. .. هل يندرج هذا السلاح الثقيل الذي اعترضت عليه تركيا دائما، ويقدمه ترامب لصالح مسلم، في إطار خطط الحرب على "داعش"، أم سيفتح الطريق أمام الكيان الكردي في سورية؟ من الذي سيوقف واشنطن وموسكو، إذا ما قرّرتا فجأة أن جنوب شرق تركيا تحول إلى بقعةٍ تهدد أمن الإقليم بأكمله، وأن أنقرة، مثل غيرها من الدول المجاورة، حان أن تدفع الثمن، هي الأخرى، جغرافيا وعرقيا، وأن تتنازل عن خيار تقديم القليل، حتى لا تدفع الكثير اذا ما قرّرت التصلب والتشدد وتعطيل أي تفاهم من هذا النوع؟
سترصد أنظمة دول المنطقة وقياداتها التحركات الأميركية الجديدة التي تضع مسألتين أساسيتين فوق كل اعتبار، إسرائيل ومصالحها الإقليمية وورقة تبحث عنها، وتستخدمها لتحقيق هذا الهدف.
تحريك ملف الدولة الكردية الكبرى بات يقترب أكثر فأكثر، وقد قال رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البرزاني، دائما إن الحلم موجود، لكن الظروف الراهنة لا تساعد على ذلك. فهل اقترب موعد الفرصة التي لن تعوّض لإعادة خلط الأوراق الإقليمية، بعد قرن على تفاهمات سايكس بيكو.
التاجر الأميركي ترامب في جانب، وهو يبحث عن شريك أو شركاء له في الجانب الآخر. والمساومة، في النهاية، قد تكون أميركية – روسية، إذا ما نجحت موسكو في التمسك بمشروع دستورها السوري الذي ستقبل به دول وقوى عديدة، لأنه الخيار الأقرب اليوم لفدرلة سورية، والانسب غدا لإعلان الكونفدراليات الإقليمية، وهو مشروع إقليمي قديم جديد. ترامب في السلطة لحقبتين، مثلا، وعقد واحد يكفي لإنجاز المشروع الإسرائيلي الذي رفضه أوباما وإدارته.
يقول وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن موسكو مستعدة لدراسة تطبيق الفكرة "مع الشريك الأميركي. والإدارة الأميركية الجديدة تطرح هذه الفكرة بصيغة تختلف عن "الأفكار التي سبق أن طُرحت، في المراحل الماضية الخاصة بإنشاء منصّة معينة في الأراضي السورية لإنشاء حكومة بديلة واستخدامها منصّة انطلاق لإسقاط الحكومة".
إذا لم تتوضح سريعا فكرة ترامب، وما تهدف إليه في موضوع المناطق الآمنة، فالسيناريوهات السوداوية هي التي ستتقدم إقليميا، أين وكيف وعلى من ستطبق الخطة؟ أجواء التفاؤل التي حملها لنا ترامب في مسألة المناطق الآمنة تبدّدها مواقفه ورسائله التي يطلقها باتجاه عنصري عرقي تحريضي، فلماذا نثق بما يقول؟ قبول تركيا بالخطة الأميركية من دون حدوث التفاهم الأميركي الروسي سيطيح حتما ما بنته في الأشهر القليلة الماضية، من منظومة علاقات استراتيجية جديدة مع موسكو. لكنها لا تريد أن يكون التفاهم الأميركي الروسي على حسابها. أنقرة في وضعٍ لا تحسد عليه، إما أن تنجح في التقريب بين وجهتي النظر الأميركية والروسية في موضوع المناطق الآمنة، وتحمي مصالحها الإقليمية وعلاقتها بالدولتين، أو تختار بين أحد الشريكين، الروسي والأميركي، وهي ستكون، في أحسن الأحوال، خاسرةً، حتى لو ربحت الكثير.
تركيا أمام حقيقة إعادة ترتيب أولوياتها في سورية، الإرهاب أولاً أم المناطق الآمنة، أم الجمع بينهما مع أميركا، وكيف ستقنع موسكو بتحوّلها هذا؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس