رينا كوللا - ذا كونفرزيشان - ترجمة وتحرير ترك برس

في بداية القرن الحادي والعشرين كان من الشائع الحديث عن "تركيا الأوروبية"، مثلما كان من المعتاد وصف روسيا بأنها أوروبية، وهو أمر مرتبط بالقارة الأوروبية تاريخيا. وكانت هذه الخطوط قوة مضادة لأطروجة صدام الحضارات التي طرحها عالم السياسة الأمريكي صمويل هانتغتون في عام 1996، والتي تنبأت بنظام عالمي جديد من الصراع الثقافي والاجتماعي بين المسيحية الكاثوليكية الأوروبية والشرق الأوسط المسلم بعد نهاية الحرب الباردة. لكن إدماج تركيا في الاتحاد الأوروبي كان سيثبت خطأ هانتغنتون.

وقد توترت اليوم العلاقات بين تركيا وأوروبا، ووصلت إلى الحد الذي هددت فيه تركيا بإلغاء اتفاق اللاجئين الذي أبرمته مع الاتحاد الأوروبي، واندلعت أزمة دبلوماسية بين تركيا وألمانيا وهولندا. وقد تطورت هذه الأزمة على الرغم مما يقرب من 500 عام من التبادل الثقافي والسياسي بين تركيا وأوروبا.

فصل مصطنع بين أوروبا وتركيا

توغلت الامبراطورية العثمانية في شبه جزيرة البلقان في عام 1453، ووصلت إلى ضواحي فيينا في الشمال عام 1683، وصاغ العثمانيون الشكل الذي تطورت به السياسة في القارة الأوروبية من خلال النموذج الذي قدموه في جنوب شرق أوروبا وشرق البحر المتوسط وعلى أبواب الامبراطورية المجرية النمساوية.

ثم انفصلت أوروبا إلى حد كبير عن تركيا بعد تراجع الامبراطورية العثمانية ومؤتمر برلين عام 1878. ولم تكن التأثيرات المشتركة موضوعا للطرح خلال العصور التي أعقبت ذلك، بما في ذلك خلال حقبة المواجهة بين القوتين العظميين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.

لقد كانت نهاية الحرب الباردة ومولد الاتحاد الأوروبي هي ما ساعد على وضع حد لهذا الانفصال التاريخي، فقد قدم الاتحاد الأوروبي أجيالا جديدة رائعة تتكون من هويات متعددة، حيث يمكن للمرء أن يكون هولنديا ومسلما وأوروبيا في آن واحد.

كانت تركيا أيضا عضوا مهما في حلف شمال الأطلسي، وقد شاركت في أوائل السبعينيات في مجموعات العمل المتوسطية التابعة للحلف. ووفقا لوثائق نشرت حديثا من عام 1972 قدمت تركيا رؤى لقضايا الدفاع في منطقة شمال أفريقيا، وتحديدا للعلاقات بين الجزائر والمغرب وبين تونس وليبيا، ومن بين القضايا المهمة التي تناولتها الرؤى التركية استخدام الأسلحة الكيماوية.

ساعد تبادل الخبرات الوثيق على تقريب تركيا من أوروبا من الناحية الدبلوماسية، وكانت هناك تجربة ونمط للعمل المشترك لا يعرفه سوى قليلين.

وصفت كتب التاريخ الشهيرة التي كتبت في بداية الألفية الجديدة تاريخ البلقان انطلاقا من فرضية جديدة عن التأثيرات الإيجابية للامبراطورية العثمانية، فقد كانت هذه الامبراطورية متعددة الجنسيات منحت الأفراد حقوقهم على أساس الدين . وتغير رأينا حول تاريخ تركيا الطويل.

أما اليوم فقد ضاع منظور الشمولية القائم على تاريخ من التفاعلات المشتركة، على الرغم من عدم وجود فكرة واضحة حول ما يمكن أن يحل محل هذه المنظور، ولم تعد "تركيا الأوروبية" الإجابة المتوقعة.

ومنذ عام 1999 وجه كثيرون داخل الحكومة التركية اللوم إلى الاتحاد الأوروبي على طول مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد بعد تقديم طلبها في عام 1987، ويقال إن المفاوضات التي توقفت أخيرا أحبطت الحكومة التركية، بينما يتحدث آخرون عن الإسلاموفبيا المتطرفة ضد تركيا.

على أن الإجابة عن الأسئلة المعقدة التي تواجه المنظور الأوروبي الحالي بشأن تركيا ليست سهلة مثل التحيز.

حليف قوي خائف وغير موثوق به

في الواقع، فإن أوروبا عالقة بمجموعة من المشاكل التي تتصاعد حدتها في البحر الأبيض المتوسط: صراع من أجل الديمقراطية في صربيا ومقدونيا، والحرب الأهلية المستعرة في سوريا، وانهيار الدولة في ليبيا. في هذه المناطق تعد تركيا وروسيا لاعبين قويين، ولا تتفقان في أغلب الأحيان  مع السياسات الخارجية الأوروبية، بل إنهما يضيفان مزيدا من العقبات التي تواجه الاتحاد.

لا يمكن للاتحاد الأوروبي أن يتحمل أن تكون تركيا ، بما لها من أهمية جيوسياسية، عدوا له، حيث بإمكان أنقرة أن تضخم الصعوبات الثلاثة التي تواجهها السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي.

هذا الوضع يدفع أوروبا للتشكيك في طبيعة العلاقة. كيف يمكن لعضو في القارة أن يكون جزءا من مجموعات السياسات داخل حلف شمال الأطلسي وتبادل المعلومات الاستخبارية،وأن يعمل في الوقت نفسه بوضوح ضد مصالح شركائها؟

هناك كثير من الأصوات الأوروبية القوية- ضمت الرئيس الفنلندي والحائز على جائزة نوبل للسلام، مارتي أهتيساري، ووزيرة الخارجية الإيطالية السابقة، إيما بونينو- التي تحدثت وأيدت تأييد عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي.

لم يكن هناك أي غياب تام للتعاطف مع المشروع التركي الأوروبي حتى على أعلى هرم السلطة في أوروبا، لكن ما حدث هو الارتباك المستمر حول المواقف المختلفة لدول الاتحاد الأوروبي من تركيا. خلال الحوارات الشخصية التي أجريتها مع رؤساء الدول الأوروبية المسؤولين عن صنع السياسة الخارجية، صار واضحا لي أن بعضهم لم يكن متأكدا من موقف دولته الفعلي من تركيا.

تهدد العلاقات المتوترة بين أوروبا وتركيا أزمة اللاجئين في البحر المتوسط، وتصاعد الصراعات في سوريا وليبيا، ويمكن أن يمنع هذا الوضع أوروبا من التوصل إلى فهم أعمق لموقف تركيا القوي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

ومن الجدير بالذكر أن هذه المنطقة تأثرت بعمق بإصلاحات التنظيمات العثمانية، فبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعندما كانت دول شمال أفريقيا في حقبة ما بعد الاستعمار تتدبر في مستقبلها السياسي وإصلاحه، فقد رأت أن التحديث العثماني يشكل سابقة مهمة.

أصبحت الإصلاحات العثمانية للسلطة القضائية وتخطيط الدولة مرجعا تاريخيا في العالم العربي. لم تكن الثورة الفرنسية والتنوير الأوروبي هما المرجعين الوحيدين اللذين أخذ بهما في منطقة البحر المتوسط آنذاك، كما أن النماذج الأوروبية  ليست هي الركيزة  الوحيدة اليوم.

ماذا يجب أن تفعل أوروبا مع تركيا

خلال حقبة الشعبوية الحالية فإن أقوى ما يملكه الاتحاد الأوروبي هو ديمقراطيته وانفتاحه، ومن ثم لا ينبغي للقادة الأوروبيين أن يشككوا أو ينكروا على المواطنين تعدديتهم الثقافية.

ينبغي أن يتركز الحوار في الوقت الحالي على التزام أوروبا بالقيم المدنية والقيادة المدنية وحقوق المرأة. لا توجد إجابات عن الأسئلة المتعلقة بالبحر المتوسط من حيث العلاقات العدائية أو الودية،فهذه هي لغة الشعبوية.

وبدلا من ذلك ينبغي للدبلوماسية أن تشارك في العمل اليومي على تلك المشاكل السياسية التي يبدو أن من المستحيل أو من غير المرجح أن تحل.

يمكن عقد مجموعات عمل تعالج المسائل السياسية المعقدة التي تشمل تركيا وأوروبا داخل الاتحاد الأوروبي، مع مشاركة تركيا أو بدونها أيضا. ومن شأن مثل هذه المجموعة أن توسع نطاق القرارات والمبادرات التي أطلقت في السنوات الأخيرة من بعض من دول الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا وهولندا، ويمكن لهذه لمجموعات أن تجد الحلول فضلا عن تحقيق توافق الآراء في الاتحاد الأوروبي.

لدى أوروبا العديد من كبار الدبلوماسيين السابقين والحاليين الذين يمكنهم تولي قيادة هذه المبادرة، من بينهم وزير الخارجية السويدي السابق، كارل بيلت، ورئيس الوزراء الايطالي السابق إنريكو ليتا ،والرئيسة الفنلندية السابقة تاريا هالونين، وغيرهم. ولذلك ينبغي لأوروبا أن تستخدم قادتها ذوي الخبرة ولا تتركهم على هامش عملها.

إن الأسئلة الرئيسة التي ينبغي أن يطرحها الفريق العامل المعني بالعلاقات الأوروبية التركية اليوم هي كيف أثرت تركيا على أوروبا، وكيف يمكنهما بناء المستقبل معا.

عن الكاتب

رينا كوللا

أستاذ العلاقات الدولية المعاصرة في جامعة تامبيري الفنلندية، والخبيرة في شؤون البلقان وجنوب شرق أوروبا


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس