
أحمد البرعي - ميدل إيست آي - ترجمة وتحرير ترك برس
في الحادي والعشرين من يناير/ كانون الثاني 2016 أقر البرلمان التركي مشروع قانون تغيير الدستور بأغلبية 339 صوتا، أي بأكثر بتسعة أصوات من الأصوات المطلوبة. وعلى الرغم من ذلك، وصف كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيس في تركيا التصويت بأنه "خيانة للبرلمان". وتعهد بأن "الأتراك سيحبطون بالتأكيد المؤامرة التي كانت تمارس في البرلمان".
كانت عملية التغيير علنية وديمقراطية وشفافة، وكانت قبل كل شيء دستورية وافق فيها المشرعون الأتراك على التعديلات الدستورية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية الحاكم ودعمها حزب الحركة القومية. سوف تمر الحزمة بأكملها باستفتاء على الصعيد الوطني، حيث سيقرر الناخبون الأتراك في النهاية.
وعلى الرغم من تلك التدابير الديمقراطية التي لا تشوبها شائبة أو عيب، شرعت وسائل إعلام أوروبية ودولية في شن حملة شرسة تصور تركيا على أنها تتجه تحو طريق الاستبداد والديكتاتورية وحكم الفرد.
الخضوع والإذعان
نُشرت مقالات تحت عنوان "كيف يمكن للتعديل الدستوري أن ينهي الجمهورية التركية"، و"ديكتاتور تركيا المنتخب"، و"خطوة واحدة بعيدا عن الديكتاتورية"، و"هل سيقتل الاستفتاء الرئاسي الديمقراطية التركية؟"، و"تركيا على وشك اتخاذ خطوة أخرى نحو الدكتاتورية"، و"تركيا التي تواجه الانقسام في ظل حكم أردوغان تجد العدو في أوروبا"، وهي مقالات تعطي القارئ انطباعا بأن تركيا التي يُنظر إليها منذ فترة طويلة على أنها منارة للديمقراطية، وكأنها باتت على وشك التحول جذريا لتكون واحدة من دول العصور المظلمة في العصور الوسطى.
في مقالها المعنون بـ"تركيا تتجه نحو البوتينية" زعمت مراسلة صحيفة اللوموند في تركيا، ماري جيجو أنه في حال إقرار المشروع المقترح، فإن سلطة أردوغان ستفوق بشكل قاطع سلطة البرلمان، وسيكون أردوغان أقرب إلى روسيا فلاديمير بوتين.
من جانبه زعم فرانك نوردوسن في صحيفة "برلينر تزايتونغ" الألمانية في مقاله المعنون بـ"إذعان الأتراك" أنه وفقا لمجموعة واسعة من الاستطلاعات، فإن 15 في المائة فقط من الناخبين لديهم فكرة عن التغيير الدستوري المتوقع. وذهب إلى أبعد من ذلك الادعاء بالقول بأن هناك حالة من الذعر تسود بين الأتراك لأنهم يخشون من أن ينتهي بهم الأمر في السجن.
كما شكك نوردوسن في صحة الاستفتاء وشرعيته؛ حيث إنه يحدث في ظل حالة الطوارئ التي أعلن عنها في أعقاب محاولة الانقلاب الساقط في 15 يوليو/ تموز. ومن المفارقات أن البرلمان الفرنسي صوت لتمديد حالة الطوارئ حتى 15 تموز/ يوليو، أي بعد انتخابات العام المقبل.
الأردوغانوفوبيا
تزعم جميع هذه المقالات أن النظام الرئاسي المقترح يحتوي على جميع العناصر التي من شأنها أن تبعد تركيا عن النماذج الأساسية لدولة القانون التعددية الديمقراطية، وتحولها إلى دولة ديكتاتورية. وتصور هذه المقالات باستمرار أردوغان على أنه زعيم يستخدم قوته الشريرة لتقنين الاستبداد باستخدام أدوات ديمقراطية.
والأكثر إثارة للدهشة أنك تلاحظ حجم التعميم انذي تستخدمه وسائل الإعلام الغربية. وسرعان ما حظيت فكرة هيمنة أردوغان باهتمام وتغطية عدد كبير من وسائل الإعلام الأخرى التي بدأت نشر المغالطات والافتراضات المضللة والمعلومات المشوهة حول الحزمة الدستورية بأكملها.
تولى حزب العدالة والتنمية الحاكم السلطة فى عام 2002، ومنذ ذلك الحين تبنى الحزب عشرة تعديلات على دستور عام 1982. ومن المثير للدهشة أن تركيا الحديثة تخضع لدستور صيغ بعد الانقلاب العسكري الذي حدث في 12 سبتمبر/ أيلول عام 1980 ودبرته الطغمة العسكرية التي خطفت الديمقراطية في تركيا. هذا الدستور، الذي كتبته مجموعة من الانقلابيين لا يمكنه التعامل مع النهضة التركية الجديدة. إن ما يجعل الدستور القادم استثنائيا هو أنه ينطوي على تغيير في نظام الحكم.
ركز تجار وسائل الإعلام في بث مخاوفهم على انتقاد شخصية أردوغان، وليس على التعديلات الدستورية نفسها، وأظهروا عدم اهتمام بالمصالح الوطنية أو العامة أو حتى بديناميات الديمقراطية.
لماذا يجب تغيير الدستور
أعلن أردوغان دائما أن نظام الحكم الحالي في تركيا غير فعال؛ لأنه لا ينسجم مع النمو السريع في تركيا. وعلى ذلك فإن مشروع التغيير الدستوري هو ضرورة لا مفر منها لسببين: فمن الناحية النظرية تتبنى تركيا نظاما برلمانيا، لكنه من الناحية العملية نظام شبه لرئاسي وشبه برلماني. هذه الطبيعة الهجينة خلقت مشاكل خطيرة في المنعطفات الحرجة من التاريخ التركي المعاصر. سينهي النظام الرئاسي المعضلة الدستورية طويلة الأمد المتمثلة في ازدواجية السلطات التنفيذية، والتداخل الممكن بين رئاسة الوزراء والرئاسة.
لم يعمل النظام البرلماني في تركيا بنجاح، في حين أن إقرار النظام الرئاسي، كما يقال، سيؤمن الاستقرار السياسي للبلد، وسيجنب الحکومة کابوس فقدان ثقة الشعب. ومن المؤكد أن النظام الرئاسي سينقذ البلاد من آفة الحكومات الائتلافية التي لم تقدم شيئا إلى الاقتصاد التركي سوى الركود وارتفاع معدلات التضخم والإفلاس. وسيتيح النظام الجديد للسلطة التنفيذية (الرئيس) فرصة تعيين المهنيين الأكفاء والتكنوقراط الذين لا ينتمون إلى أي حزب.
سيكون للبرلمان أيضا مجال أكبر لاستعادة زخمه في العمل، والمضي قدما في وظيفته الأساسية المتمثلة في إصدار التشريعات ومراقبة ممارسات الحكومة.
على أن السبب الأهم في وجوب التغيير هو حاجة تركيا الماسة إلى اتخاذ قرارات تنفيذية أكثر فعالية وسرعة لمكافحة التهديدات الوشيكة التي تحيط بالبلاد. لدى الحزب الحاكم في تركيا الكثير من التجارب مع عقم البرلمان الذي أخفق مرارا وتكرارا في التصدي للاضطرابات المتصاعدة في البلاد وعلى الصعيد الإقليمي نتيجة بيروقراطيته.
المعارضة غير الناضجة
يكرر كمال كليجدار أوغلو، زعيم حزب المعارضة الرئيسية في تركيا، جملة واحدة في جميع اجتماعاته وتجمعاته تقريبا: "هذه ليست خطوة لتغيير النظام، بل هي محاولة لإدخال حكم الفرد" .
ومن المثير للاهتمام أن كليجدار أوغلو أعلن أخيرا أنه يعارض التغييرات المقترحة؛ لأن الخلافات ستبقى حتما اذا كان رئيس الوزراء والرئيس ينتميان إلى حزبين مختلفين. فإما أن كليجدار أوغلو يضلل الجمهور، أو أنه يفتقر إلى المعلومات الأساسية؛ لأن النظام الجديد يخلو من رئيس الوزراء.
كان لدى أحزاب المعارضة أكثر من فرص كافية لتقديم وجهة نظرها ومواقفها خلال جلسات لجنة الصياغة في البرلمان، لكنها أضاعت هذه الفرص بسبب تعنتها غير المبرر.
قدم حزب العدالة والتنمية فرصتين كبيرتين: أولا، توزيع أعضاء اللجنة الدستورية بالتساوي بين الأحزاب السياسية الأربعة بغض النظر عن نسبها في البرلمان. وبالتالي فإن حزب العدالة والتنمية الذي يملك الأغلبية الساحقة بـ317 نائبا يمثله نفس العدد الذي يمثله حزب يملك 40 مقعدا فقط في البرلمان.
ثانيا، من المعروف أن أردوغان اقترح دائما على حزب الشعب الجمهوري، حزب المعارضة الرئيس، أن يطرح صيغته الخاصة بالدستور، حتى يمكن للنقاشات والمفاوضات أن تسير قدما.
لكن ذلك لم يحدث أبدا؛ لأن حزب الشعب الجمهوري يعرف أن حجته ضعيفة، وأن الأمر بالتأكيد ليس مسألة الضوابط والتوازنات أو فصل السلطات، ولكنه المخاوف العميقة للمعارضة بشأن مستقبلها السياسي. تدرك المعارضة جيدا أنه إذا وافق الناخبون على الحزمة الدستورية المقترحة، فإن فرصتهم في أن يصبحوا حزبا حاكما سوف تتلاشى، ويرجع ذلك في الغالب إلى أن فرصهم في ترشيح شخص يمكن أن يهزم أردوغان لا تجاوز الصفر.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس