عمار الكاغدي - خاص ترك برس
ليس من باب التّشاؤم أو السّوداوية يعلّق رئيس الوزراء السابق "أحمد داود أوغلو" وهو الغائب الحاضر في المشهد السياسي التركي على المتوقّع من نتيجة الاستفتاء حول التعديلات الدستورية قائلًا: "القول والقرار للشعب فقط، وأيا كان قرار الشعب سنضعه تاجًا على رؤوسنا". هذا الكلام لا يعبر عن وجهة نظر شخصية ولكن عن قناعة ترسّخت في مركز القرار في حزب العدالة والتنمية عن آلية التعامل مع احتمالٍ سيبقى قائمًا حتى آخر صوت مرجِّح لإحدى الكفّتين ألا وهو احتمال رجوح كفّة "لا" للتعديلات الدّستورية المعتمدة للنظام الرئاسي، فماذا لو حدث هذا بالفعل؟
لن نستخدم هنا لغة الأرقام والنسب المئوية ولكنّ المؤكّد أنّه في حال وقوع الاحتمال السّابق فإنّ الفارق المرجّح لخيار "لا" للتعديلات الدّستوريّة سيكون ضئيلًا جدًّا (وربّما جدًّا جدًّا)، ومهما عظمت دلالة هذا الفارق البسيط في النّفوس، فالواقع أنّه لن يكون لتلك الدّلالة أيّ معنىً أو وزنٍ يُذكَرُ في عالم السّياسة والاستفتاء الذي يساوي بين50.01% و99%.
وحتى ذلك الحين يطيب لبعض وسائل الاعلام العربية بالتحديد تصويرُ ما سيجري حالَ اعتماد الشعب التركي لخيار "نعم" للنظام الرئاسي على أنّه عبارة عن "انقلاب أبيض"، مُتَغَابِيْنَ بذلك عن حقيقةٍ يعلمها الطّفل الصّغير ألا وهي أنّ الذي يمسك فعليًّا بزمام السّلطة في أيّ بلد هو بغنىً عن مثل هذه الرُّعونات.
ومن ذلك أيضًا تسويق النظام الرئاسي على أنّه حلم شخصي لأردوغان يؤسّسُ من خلاله لدكتاتورية مطلقة، بحيث لا تجد لنفسك مهربًا - كمتابع عربي - من مقاربة تلك الصّورة بأحلام الزعيم القذافي بنَصب خيمته الخضراء في السّاحة الخلفيّة للبيت الأبيض.
ومن ذلك المبالغة في تصوير "الهاجس الاقتصادي" لدى المواطن التركي واعتباره سَلَفًَا العاملَ الأساسَ في حال رجوح كفة "نعم" للتعديلات الدستورية بالنّظر إلى إنجازات "العدالة والتنمية " الجليّة في هذا الصّدد وعلى اعتبار أنّ النظام الرّئاسي سيكون مَجْلبَةً للاستقرار السياسي وبالتالي الاقتصادي تبعاً وهو كلامٌ غايةٌ في الصِّحة، والواقع أن الهاجسَ الاقتصادي حاضرٌ على الدوام وبالأخص في المرحلة الحاليّة ولكنّه لا يصلح "كحافزٍ موضوعي" يوجِّهُ المواطن التّركي إلى تغيير جذريّ للنَهْجِ السّياسي للبلاد في استفتاء يتّفق الجميع على أنّه الأشدُّ حساسيةً في حاضر الدولة التركية ، ناهيك عن تسطيح مفهوم الاستفتاء لدى عموم الشعب التّركي وتجييره اقتصاديّاً مع أنّه شأنٌ سياسي بامتياز بالدّرجة الأولى .
وفي الختام لا بدّ من ملاحظة ما يلي:
- مهما كانت نتيجة الاستفتاء فإنّ المؤكّد أنّ تركيا ستبقى بخير طالما مقاليدُ الحكم فيها بعيدةً عن متناول العسكر.
- أيًّا كانت نتيجة الاستفتاء فإن وجه تركيا الذي نعرفه جميعًا لا يمكن أن يتغيّر بسهولة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس