ترك برس
رغم الحملة المكثفة التي شنتها وسائل الإعلام الغربية ومراكز الأبحاث فيها على التعديل الدستوري بتحويل نظام الحكم في تركيا من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي الذي انتهى بموافقة الأتراك عليها في استفتاء الأحد، فإننا لا نعدم بعض الأصوات التي غردت خارج سرب الانتقادات، ومنها التحليل الذي كتبه جاكوب شابيرو في موقع جيوبوليتيكال فيوتشرز.
كتب شابيرو تحت عنوان "دلالات الاستفتاء التركي" إن الرواية السائدة في وسائل الإعلام الغربية هي أن التصويت لصالح التغيير الدستوري سيؤدي إلى موت الديمقراطية التركية، وأن الاستفتاء ليس إلا آخر مسمار في نعش الديمقراطية، وأن التصويت بنعم سيرفع الرئيس رجب طيب أردوغان إلى درجة الديكتاتورية.
ورد شابيرو على هذا الزعم بأن هذا النمط من التفكير لديه مشكلة صغيرة، فالتصويت لتعديلات على بنية الحكومة التركية يستند إلى آليات الاقتراع الديمقراطية. فقد يأتي الدكتاتور والسلطوي بالعديد من الأشكال والأنواع، كما وصل بعضهم إلى السلطة من خلال الآليات الديمقراطية قبل سحقهم لمعارضيهم؛ ولكن نادرا ما يهتم الدكتاتوري بالتفاصيل الدقيقة للدستور وقضايا الشرعية الديمقراطية.
وأضاف أنه إذا صوت المواطنون الأتراك لصالح التعديلات المقترحة، فسيحتفظ البرلمان التركي بحقه في تقديم دعوة ضد الرئيس إذا ما حصلت على موافقة ثلثي المجلس، ومن ثم لن يكون التصويت بـ"نعم" يوم الأحد بمثابة بداية حفل تتويج رئاسي؛ لأنه سيكون تعبيرا ديمقراطيا عن إرادة الشعب التركي، أو على الأقل بالنسبة للفئات التي ستشارك في التصويت.
وتابع بالقول قد لا يُعجب الناس بما يقوله أردوغان، ولكنه يشجع الشعب التركي على المشاركة، ولا يجبرهم على التصويت تحت تهديد السلاح. إنها عملية اقتراع حقيقية، ولا يوجد مؤشر أفضل من ذلك إلا ما تشير إليه الاستطلاعات من تساوي فرص نجاح كلا الخيارين، فإذا لم تكن هذه ممارسة ديمقراطية، فليس واضحا ما هي.
وأشار المحلل الأمريكي إلى أن الأمر الجوهري هو أن الاستفتاء يدور حول السياسة، بل هو سياسي بالدرجة الأولى. يمر المجتمع التركي بسلسلة من التحولات، كما بدأت تركيا بالبروز على الساحة بوصفها قوةً إقليمية، ولا تستقر مثل هذه التحولات بسهولة. ففرنساعشية الثورة الفرنسية كانت في حالة تمزق اقتصادي، كما كانت خارجة من حرب السنوات السبع ولكن كان المجتمع الفرنسي يمر بتحولات داخلية بينما تضغط عليه التحديات الأجنبية من الخارج. وكانت النتيجة هي ثورة دامية تضمنت دعوات جميلة في حقوق الإنسان بالتوازي مع توظيف الليبراليين لأداة المقصلة.
ومن ثم، والكلام لشابيرو، فإن من ينتقدون تركيا على تركها لنموذج الديمقراطية الليبرالية بتصويتها لصالح توسيع سلطات الرئيس لا يريدون إلا الشكل الذين يفضلونه من الديمقراطية الليبرالية،لكنهم يتناسون كيف تحققت الديمقراطية الليبرالية في الغرب.
وتابع المحلل سرده بأن البعض قد يعتبر هذا التحليل قراءة قاصرة للاعتداءات التركية على المبادئ المؤسسة للديمقراطية اللبيرالية، وسيستشهدون بالصحفيين المعتقلين، والأكاديميين المُقالين، والأزمة الكردية في جنوب شمال تركيا،على أساس أن ذلك كله دليل يشير إلى سقوط تركيا من نعيمها السابق.
وأضاف: "صحيح أن بعض هذه المخاوف صحيحة، لكن الصحيح أيضا أن فصيلا من الجيش التركي خطط لعمل انقلاب على أردوغان والحكومة الديمقراطية المنتخبة خلال العام الماضي. إذا افترضنا حدوث محاولة انقلاب من الجيش الأميركي على رئيس الولايات المتحدة، فمن المتوقع حدوث سلسلة من الاعتقالات والتحقيقات لغرض حماية مؤسسات الدولة. قد يعمل أردوغان على توظيف محاولة الانقلاب هذه لتعزيز مراكز سلطته، وإعادة بناء المؤسسات التركية مع الأشخاص الذين يثق بهم، ولكن هذا لا يجعله إنسانا شريرا، ولا يجعل من تركيا نظاما شموليا ناشئا".
ونوه الكاتب إلى أن التصويت بنعم سيعني وبدرجة كبيرة أن أردوغان سوف يصبح أكثر قوة، وسيبقى في السلطة حتى عام 2029. وبحلول ذلك سوف يضطر إما للوقوف جانبًا نظرا لانتهاء فترة رئاسته أو لعدم قدرته على الحكم، أو سيعدل الدستور مرة أخرى. أما التصويت بلا فقد يعني تراجع سلطة أردوغان، ولكنه قد يعني أيضا بقاءه قويا ضمن أطر النظام الحالي أو صعود قوة جديدة إلى الساحة التركية السياسية.
وختم شابيرو تحليله بأنه بغض النظر عما إذا استمر أردوغان في السلطة أو استلمها شخص آخر، ستستمر تركيا في الصعود كأمة وستسير في طريقها نحو تحقيق القوة الإقليمية وهي محاطة من جميع الجوانب بتهديدات كبيرة لا تحسد عليها. وفي حال نجح الاستفتاء، ستبقى سلطة أردوغان موضوعاً للرقابة والتوازنات، ولكن لا يوجد ما هو أكبر من المحددات الجيو سياسية التي تجبر تركيا على الرجوع لمربع القوى العالمية الكبرى.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!