محمود نابي - خاص ترك برس
لمّح محمد بوزداغ، كاتب ومنتج مسلسل قيامة أرطغرل، إلى إمكانية تصوير مسلسل السلطان عثمان الأول، وذلك بهدف فهم السرد التاريخي ومرحلة تأسيس الدولة العثمانية.
جاء ذلك في حوار مطول خاص أجراه مع ترك برس، تطرق فيه بوزداغ إلى فكرة مسلسل قيامة أرطغرل وبدء العمل عليه، والصعوبات التي واجهها فريق المسلسل، والتجهيز المادي والمعنوي له، والمشاريع المستقبلية التي ينوي العمل عليها.
وفيما يلي القسم الأول من الحوار.
بداية، حقق مسلسل أرطغرل نجاحا كبيرا، هل كنتم تتوقعون مثل هذا النجاح؟
إن التاريخ والحضارة التركية تعد مصدرا غنيا لمثل هذا النوع من الأعمال الفنية، ولقد أدركنا تفوقنا في هذا المجال عندما اطّلعنا ودققنا عددا كبيرا من المسلسلات التاريخية الأجنبية، وكانت لدي قناعة بأن هذا المسلسل سيكون بداية صحيحة ومؤثرة في سبيل إطلاع العالم على تاريخنا وحضارتنا، وبناء على كل ما سبق، باشرنا التحضيرات للمسلسل بحساسية كبيرة للغاية من خلال العمل مع الخبراء في هذا المجال على المستوى المحلي والدولي، وفي هذا الإطار تعاقدنا مع أفضل فريق لتصميم الحركات (كاريوغرافي) على مستوى العالم لتدريب الممثلين والأحصنة، كما استعنا بالفنان المغولي الشهير "غامات"، لتصميم الديكورات والأزياء، وعندما أجرينا اختيار الممثلين أيضا بنفس الحساسية أصبحت كل عوامل نجاح المسلسل موجودة، وبالرغم من أني لم أكن أتوقع أن يواصل المسلسل إحراز المراكز الأولى في معدلات المشاهدة على التوالي لهذه الدرجة إلا أنني كنت على يقين تام أن المسلسل سينجح.
كيف بدأت فكرة العمل، وهل كانت لديكم مخاوف في تلك المرحلة، مثل ماذا؟
خلال حياتي الجامعية رأيت مناما ساهم في دخولي عالم المسلسلات والأفلام، حيث حلمت أني أعمل كاتب سيناريو ومنتج أفلام وثائقية حول تاريخنا وحضارتنا، ومن جانب آخر، ساهم فيلم "المعلمون والعلماء والسلاطين" الذي أنتجته بمناسبة الاحتفال باختيار إسطنبول عاصمة للثقافة الأوروبية عام 2010، ساهم في وضع الأسس الفكرية لمسلسل قيامة أرطغرل.
ودائما كنت أتناقش مع صديقي نائب المدير العام لشبكة تي آر تي التركية "إبراهيم إرين" حول ضرورة نقل الأحداث التاريخية إلى السينما والتلفزيون، وفي يوم من الأيام، عرض علي فكرة العمل في مشروع حول شخصية تاريخية، فوافقت وبدأت أجري أبحاثي، وأخذت أفكر أنه عندما نتناول شخصية تاريخية يجب أن نسرد القضايا الاجتماعية والسياسية والثقافية السائدة خلال تلك المرحلة بشكل كامل أيضا، وهذا ما فعلناه في مسلسل قيامة أرطغرل حيث تطرقنا إلى الأسس التي أدت لنشوء الدولة العثمانية، وبإمكاني القول إن مخزون معلوماتي التاريخية والاجتماعي حول تلك الفكرة شكل أرضية مناسبة لمشروع المسلسل.
بالرغم من أن لدينا أعمالا تاريخية يمكن تصنيفها بالمهمة في السابق إلا أنها لم تترك أثرا كبيرا لدى المشاهدين، وكان هذا الشيء أولى العوائق التي اعترضت طريقنا في البداية، حيث لم يكن أحد يؤمن أننا سننتج عملا تاريخيا بهذا الضخامة في تركيا، كما تعرضنا لانتقادات عدة وقتها، أبرزها عمري الشاب وقيامي بأكثر من مهمة في العمل كإعداد السيناريو والإنتاج، فضلا عن استحالة تأمين الأزياء والديكورات الخاصة بالعمل في تركيا، وبالرغم من إيماننا بصعوبة العمل إلا أننا لم نكن خائفين، والسبب في ذلك هو اعتمادنا على قوة السيناريو الذي أعددناه وتحضيرنا الجيد للعمل.
مختصر الكلام، لقد جهزنا الفريق معنويا بشكل جيد لمواجهة مخاوف وشكوك الوسط الفني، وبالتالي كان أعضاء الفريق كافة مؤمنين بالنجاح، ومضينا سوية لتحقيق حلمنا جميعا.
لماذا وقع اختياركم على أرطغرل وليس عثمان الأول باعتباره مؤسس الدولة العثمانية؟ بالنتيجة يعد السلطان عثمان أو كثير من السلاطين العثمانيين معروفين بدرجة أكبر بالنسبة للكثيرين، برأيك ألم تكن هذه مخاطرة؟
التاريخ يعتمد السببية، ولكي ندرك مرحلة تاريخية بشكل جيد يجب أن نكون متمكنين من الحالة الثقافية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية السائدة خلال تلك المرحلة، ولهذا السبب لكي نفهم الدولة العثمانية جيدا، يجب أن نطلع على الدولة السلجوقية والإمبراطورية البيزنطية والدولة المغولية وحروب البقاء على قيد الحياة التي كانت تخوضها القبائل التركمانية في منطقة الأناضول وقتها، وبناء عليه مهما كان السلطان عثمان هو المؤسس الحقيقي للدولة العثمانية، إلا أن سليمان شاه وابنه أرطغرل غازي لعبا أدوارا مهمة في تهيئة الظروف للمرحلة اللاحقة التي أدت لقيام الدولة العثمانية.
وفقا لبعض الأخبار في الإعلام التركي، فإن المسلسل تعرض لبعض الصعوبات خلال مرحلة التحضير، وخاصة إقناع الممثلين، كيف يمكننا تلخيص تلك الفترة؟
لم يرقَ مجال السينما في تركيا إلى مستوى صناعة سينمائية احترافية، ولذلك كانت أغلب الأعمال التاريخية السابقة في البلاد تفتقر لخيول مدربة، أو سيوف وأزياء وديكورات بالمعنى الاحترافي، وعلى سبيل المثال اضطررنا في قيامة أرطغرل لشراء جميع الأحصنة وتدريبها، كما صممنا الأزياء والديكورات بأنفسنا وأنجزناها، وإن هذا النوع من السلبيات في المجال الفني تجعل الفنانين ووكلاء أعمالهم يبتعدون عن المشاركة في هذه الأعمال، في بداية التحضيرات لم يكن أحد يؤمن بنجاح العمل سوى كادر المسلسل، وقد تجاوزنا هذه الصعوبات من خلال الإيمان بأنه لدى اتباع الطرق الصحيحة والمشاعر الصادقة في تنفيذ مشروع صحيح، يكون النجاح حليفك.
هل تفكر بتصوير الجزء الرابع من المسلسل؟ في حال النفي هل هناك تتمة لباقي القصة مع السلطان عثمان الأول في مسلسل جديد، أو مسلسلات أخرى مشابهة ضمن الإطار ذاته؟
من الممكن أن نستمر بعمل حول السلطان عثمان الأول وآخر عن ابنه السلطان أورهان، بهدف فهم السرد التاريخي ومرحلة تأسيس الدولة العثمانية، وذلك لنيتي في التعريف بالفريق الذي ساهم في تأسيس الدولة العثمانية والروح والعقلية التي كانت سائدة لديهم خلال تلك الحقبة.
يعتبر تصوير المسلسلات التاريخية أصعب من الأعمال الأخرى المعاصرة، ما هي أهم الصعوبات التي تعترضكم؟
ما يميز الأعمال التاريخية عن سواها أنها تتناول شخصيات أو أحداث معروفة لدى الجميع ولو بدرجات متفاوتة، وهذا الوضع يجعل المشاهد يميل إلى متابعة الأعمال التاريخية بشكل حذر وقابل للنقد، ولذلك ولتحقيق النجاح في هذا النوع من الأعمال يجب التعرف بشكل جيد على السرد التاريخي في تلك المرحلة بكل أنحائها، من حيث العلاقات البشرية والأماكن والأزياء والأدوات المستخدمة وقتها، وعلاوة عن ذلك الصعوبات التي ذكرتها سابقا حول نقص المعدات والكوادر المختصة في مجال صناعة السينما الاحترافية.
ما هي المواقف الطريفة التي تعرضتم لها خلال التصوير؟
بكل تأكيد نتعرض للكثير من المواقف المضحكة، فمثلا في إحدى المرات قام أحد الأحصنة بخطف أحد الممثلين وهرب به إلى مسافة بعيدة جدا، وفي موقف آخر لدى تصوير أول حلقة في المسلسل تعرض أرطغرل لإصابة استدعت نقله إلى المشفى فورا وهو يرتدي زيًا من القرن الـ 13، ما جعل العاملين في المشفى يصابون بدهشة كبيرة.
ما هي المشاهد الأكثر صعوبة خلال التصوير؟
بشكل عام لا نتعرض لصعوبات خلال التصوير، وذلك لأننا نعمل مع فريق منظم ومتفاهم، إلا أن هناك بعض الصعوبات الخارجة عن سيطرتنا مثل أحوال الطقس في المشاهد الخارجية، وبرأيي إن أهم الصعوبات التي تعترض منتجي المسلسلات في تركيا مقارنة مع باقي الدول، هي أن المسلسلات أطول بكثير من المعايير الدولية.
يواصل المسلسل حصد نسب المشاهدة الأعلى باستمرار منذ حلقته الأولى، برأيك ما السبب؟ ما الذي يميز أرطغرل عن باقي المسلسلات؟
برأيي السبب الأهم في نجاح المسلسل هو حكاية أرطغرل وفق سرد تاريخي صحيح، فضلا عن تفانينا في العمل بشكل يتناسب مع المعايير الدولية الاحترافية، كما أنه يتضمن رسائل مهمة تلائم واقعنا الحالي، فالأحداث التي دارت في القرن 13 ميلادي تتشابه إلى حد كبير مع أيامنا هذه، مثل التنازع على السلطة والتحالفات المنعقدة بين الأطراف من أجل ذلك، وإن صح القول إننا نعيش صراعات البقاء على قيد الحياة في كافة المراحل الزمنية عبر التاريخ.
برأيك كيف أثر قيامة أرطغرل في المجتمع التركي وخصوصا شريحة الشباب؟
من الخطأ القول إن قيامة أرطغرل أثّر فقط في المجتمع التركي، وكما ذكرت سابقا، إن التغييرات الوحيدة التي عاشها الإنسان هي التطور التكنولوجي فقط، حيث أنه بشكل عام ما زال يحمل نفس الرغبات والآمال منذ القدم. فالمسلسل يترك أثرا وتتم متابعته بإعجاب كبير في الدول التي يُعرض فيها أيضا، فضلا عن أن منطقة الأناضول تعد نقطة التقاء الكثير من الثقافات والحضارات، ولهذا السبب يحمل المسلسل رسائل عميقة وذات مغزى لمتابعيه في منطقة جغرافية واسعة بدءا من منطقة البلقان مرورا بالشرق الأوسط ومنها إلى آسيا الوسطى وصولا إلى جنوب شرق القارة الآسيوية، أصبحت شخصيات المسلسل قدوة للكثير من الشباب وهذا الوضع يجعلني أشعر بالامتنان كثيرا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!