بولنت أرانديتش - صحيفة تقويم - عن عربي 21
لا جرم أن التصريحات التي أدلى بها الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" مؤخرا، والتي قال فيها إن "المسلمين هم أول من ذهبوا إلى القارة الأمريكية"، قد خلقت ردود أفعال قوية في وسائل الإعلام العالمية.
وجدير بالذكر أن الحضارة الإسلامية، كانت مسيطرة على العالم، في الوقت الذي كان الغرب لا يزال يزحف في مستنقعات العصور الوسطى. فابتداءً من القرن الثامن، وحتى أواسط القرن الـ13 من تاريخ الحضارة في العالم، كانت المناطق الإسلامية هي منبع العلم، فالمسلمون في العهد العثماني، كانوا متقدمين مقارنة بالمسيحيين، في علوم الفلك والطب والفلسفة والرياضيات.
والسؤال الآن: كيف تراجعت البلدان الإسلامية بهذا الشكل ولمدة قرون، أمام الغرب المسيحي؟ وكيف أصبحت الإمبراطورية العثمانية على قمة العالم الإسلامي الذي سيطر على العالم من ثلاثينيات القرن الرابع عشر، وحتى عشرينيات القرن العشرين؟ وكيف انهارت تلك الإمبراطورية؟ الأمم والعشوب التي اعتنقت الدين الإسلامي الذي جاء على يد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، هي التي أتت بتلك الحضارة المشتركة، من خلال التعاون فيما بينها. فخلال فترة استمرت لقرون طويلة أسس المسلمون أكبر حضارة في علوم عدة مثل الاقتصاد والطب والفلسفة وغيرها من العلوم الأخرى التي برع فيها العلماء المسلمين.
العزوف عن العلم وتركه
ويمكنني أن أذكر لكم بعض الأسماء التي برزت في تاريخ العلوم المختلفة، ويعرفهم القاصي والداني، مثل ابن سينا، وابن رشد والغزالي وعبد العزيز السيواسي وحاجي باشا ومقبل زادة مؤمن وصابونجو أوغلو شرف الدين علي وجردالي مراد وآق شمس الدين وعلي قوشتشو ومِرِيم جلبي وأبو السعود أفندي، هذه مجرد نماذج فقط لسلسلة عامرة من العلماء المسلمين الأقحاح الذين ملكوا العالم، وأناروا له الطريق، بنتاجاتهم وأعمالهم العلمية المختلفة، كل في تخصصه.
واعتباراً من أواسط القرن الـ13، بدأ الغرب يتطور، وعجزت الدول الإسلامية، عن ملاحقة التطور والارتقاء الموجود في أوروبا. وإذا أردنا أن نعرف السبب في ذلك، لبرزت أمامنا عدة أسباب مجتمعة، تتمثل في وجود اتجاهات في العالم الإسلامي في تلك الفترة، نحو التعصب والنزاعات الأخوية، والصراعات الداخلية. ولازال الشرق الأوسط الذي بعد عن العلم والعلوم بما ملكه من تعصب وضغائن، يعاني الويلات حتى الآن، ولعل الأوضاع التي نراها بأعيينا في الوقت الراهن، خير دليل على ذلك.
فتح اسطنبول في العام 1453
تمكن السلطان "محمد الفاتح" من فتح عاصمة الإمبراطورية البيزنطية التي تعرف حاليا باسم اسطنبول، وذلك في العام 1453، وبهذا الفتح بدأ العصر يتغيز بعض الشيء، وكانت تلك الفترة من أفضل فترات تقدم الحضارة الإسلامية. لكن من المؤسف، أن الفشل في فتح فيينا، أجج من الأزمات الاستيراتيجية. وحينها اتجهت أوروبا صوب المؤلفات والآثار العثمانية والإسلامية، وانتلقت إلى فترة العلم والاكتشافات. بينما بدأت الدولة العثمانية التي كانت الموجه للعالم، تدخل في مرحلة التراجع والتقهقر، الأمر الذي تزامن معه التقدم المسيحي بشكل كبير، حيث بدأت الطباعة في أوروبا في القرن الـ15. إذ تمكن الألماني "جوتنبرغ" من اكشتاف تقنية الطباعة بالأحرف المعدنية في العام 1450. وفي العام 1727 أسس "إبراهيم متفرقة" المطبعة باسطنبول، أي بعد 274 عاماً من دخول المطبعة لأوروبا. فلاشك أن هذا الأمر كان له دور كبير في تأخر الدولة العثمانية. إذ أن الدولة الأوروبية التي عززت من اقتصادياتها بالاكتشافات الجغرافية، قد أحرزت تقدما كبيرا كذلك بما حققت من حركات نهضوية وإصلاحية.
هذا إلى جانب أن المؤامرات الفرنسية والبريطانية، كانت مؤثرة للغاية، إذ باتت الحروب تمثل للدول الغربية في تلك الحقبة، وسيلة للاستعمار. فدمروا الأنظمة العسكرية للدولة العثمانية، وقاموا بإثارة الإنكشارية. كما أننا عجزنا عن امتلاك تكنولوجيا الحرب التي ظهرت في أوروبا آنذاك.
النتيجة
نحن مدينون للكلمة التاريخية التي ألقاها الرئيس التركي، حول مسألة اكتشاف أمريكا. فعلينا أن نستثمر الكلام الذي قاله "أردوغان"، ونفكر في بعض الحقائق التاريخية، لا سيما في تلك المرحلة التي تعيش فيها تركيا ثورة ثقافية وعقلية، وتعيش فيها أيضا تغييرا كبيرا. وكما تعلمون، فإن الدين الإسلامي يحثنا على العلم والتعلم، ولعل أول آية نزلت في القرآن الكريم كانت تدعو للقراءة، أي إلى الثقافة. وهذا الكتاب الذي نزل على نبي الإسلام، خير نبراس يمكنه أن يرشد الناس في هذا الطريق. وعلينا ألا ننسى مطلقا أن أكبر عامل يضمن عودة ظهور الحضارة الإسلامية كما كانت في الماضي، ويشكلها، ويساعدها على التطور والتقدم، هو القيم التي علمها لنا الدين الإسلامي، ولا شيء غيرها.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس