بكر محمد البدور - خاص ترك برس
لا يخفي الكثيرون حول العالم وخاصة في عالمنا الثالث المضطرب انبهارهم بالديمقراطية الغربية التي صدع الغربيون بها رؤوس العالم وهم يتغنون بها صباح مساء، مفكرون وساسة وإعلاميون ومؤسسات بحثية وغيرها من أدوات الدعاية الغربية، ونحن لسنا بصدد الحديث عن النظام الديمقراطي وسلبيات الديمقراطية ولسنا في صدد التقييم هنا ولكن موضوعنا الذي نتحدث فيه الآن هو زيف الدعاية الغربية بشأن الديمقراطية ومدى جدية الدوائر الغربية في نشر قيم الديمقراطية في العالم. وقد فاتني الوقت ولم أتمكن من مناقشة هذه المسألة في سابق الأيام ولكن حلول الذكرى السنوية الأولى للمحاولة الانقلابية الدموية الفاشلة في تركيا أعادني للحديث حول المسألة.
ومع أن اختيار بداية مناسبة للحديث في موضوعنا هذا أمر ليس بالهين لأنه متشعب ومتعدد الأطراف وكثير الجوانب فإلى جانب صداقة الحكومات الغربية مع نظم مستبدة وفاسدة في العالم ودخولها معها في اتفاقيات ثنائية ودولية وإقامة علاقات طبيعية كاملة معها فضلًا عن دعمها في جوانب كثيرة، فقد أبرزت المحاولة الانقلابية الفاشلة التي حدثت في تركيا ليلة 15 تموز/ يوليو من العام 2016 جانبًا خطيرًا ومقلقًا من زيف الدعاية الغربية بخصوص الديمقراطية واحترام خيارات الشعوب والوقوف إلى جانب نتائج صناديق الاقتراع، لا بل أثبتت هذه المحاولة التي تصدت لها جماهير الشعب التركي بصدور عارية في مواجهة الدبابات أن الغرب يخاف من الديمقراطية الحقيقية في العالم الثالث بشكل عام والعالم الإسلامي بشكلٍ خاص لأن نتائجها ومخرجاتها قد تجري على غير ما تشتهيه السفينة الاستعمارية الغربية، ولا أدل على ذلك من اللهجة المتواطئة التي بدت واضحة في ردود الفعل الغربية على هذه المحاولة والتي لم تدن هذه المحاولة صراحةً ولم ترفضها بل راحت تنتظر ما ستؤول إليه الأوضاع، وهذا يعني قبولًا ضمنيًا بنتيجة الانقلاب فيما لو نجح.
وهذا شاهد على زيف الدعاية الغربية بشأن الديمقراطية وحقوق الانسان ولم يقتصر الامر على المواقف الرسمية للحكومات والرؤساء ووزراء الخارجية بل تجاوز الأمر إلى النخبة المثقفة فلم تخلو الصحف الغربية التي صدرت في الأيام التالية للانقلاب من مقالات التحريض على انقلاب جديد أو الأسف لعدم نجاح المحاولة الانقلابية أو التحريض الصريح على إيجاد طرق بديلة للتخلص من الحكم الحالي كالاغتيال أو القتل البطيء كما فعل الغرب في حالات أخرى، وهذا شاهد آخر على زيف الوجه الغربي ونفاقه.
ومع تذكيرنا للمنبهرين بكل ما هو غربي بأن الديمقراطية الغربية قامت على بحار من الدماء وعلى أنقاض نظم دكتاتورية عائلية دموية فاسدة، وإذا اعتبرنا أن النظم الحاكمة غير الديمقراطية في الجزء الجنوبي من الكرة الأرضية أمر واقع ولا بد من التعامل معها لدفع مسيرة العلاقات الدولية والتجارة العالمية وغيرها من المصالح، فبماذا نفسر قبول الغرب بالانقلاب العسكري الذي حدث في مصر عام 2013 ودعم مخرجاته والاعتراف بها، لا بل أن بعض الحكومات الغربية لم تجزم بعد بأن ما حدث بمصر هو انقلاب عسكري كامل الأركان دموي المخرجات.
لقد دحرت المحاولة الانقلابية الغادرة في تركيا رغم أنف الطموحات والآمال الغربية التي اعتادت أن تعيد الديمقراطية التركية إلى نقطة الصفر كلما حملت نتائج لا تروق لها ولا تتفق مع أهدافها وبرامجها وخططها. نعم لقد سكت الغرب على كل الانقلابات في تركيا وقبل بمخرجاتها، هذا إن لم تكن بدعم وتخطيط وإسناد مباشر من قواه المختلفة، فكيف للأمور أن تستقر لمنقلب ما لم يحصل على الضوء الأخضر من دوائر صنع القرار العالمي وفي مقدمته القوى الغربية.
نعم لقد سكت الغرب على إعدام عدنان مندريس المنتخب شعبيًا، وقبل بالحكومة التي جاءت على جثته، كما جمّل انقلاب 1996 وسماه انقلاب ما بعد الحداثة، وليت الأمور وقفت عند هذا الحد فقد حاولت الدعاية الغربية النيل من الاستفتاء الشعبي الذي جرى في تركيا في 16 نيسان/ أبريل من هذا العام حول التعديلات الدستورية التي قادت إلى تحول البلاد إلى النظام الرئاسي، فلم يرحب الغرب بإجراء هذا الاستفتاء وعبر كتابه ومفكروه عن قلقهم منه بل اعتبره بعضهم خطرًا على الديمقراطية التي لم يعتبر المحاولة الانقلابية خطرًا عليها، وشن الإعلام الغربي وكثير من الساسة هجمات عنيفة وصلت إلى حد عرقلة لقاء وزراء أتراك بمواطنيهم المقيمين في دولٍ غربية، ولم ترحب الدوائر الغربية بنتائج الاستفتاء الذي هو بحد ذاته ممارسة ديمقراطية متقدمة.
لقد أثبتت الاحداث المتعددة أن الغرب يبحث عن الديمقراطية في الأماكن البعيدة عن أصابعه، ثم يجند عملاءه وعلماءه وخبراءه لصناعة ديمقراطية تتماشى ومصالحه وأهدافه بعيدًا عن خيارات الشعوب وإرادتها الحرة، ولكن الشعب التركي لقّن العالم بشرقه وغربه دروسًا في الديمقراطية الحقّة بعد أن قهر بإرادته الدبابات والطائرات وأسكت أصوات المدافع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس