د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
وأخيراً تم الاعلان عن التغيير الوزاري الذي انتظره الكثيرون وتوقعوه أن يحدث قبل هذا التوقيت بكثير، خاصة بعد عودة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان لقيادة حزب العدالة والتنمية من جديد في الحادي والعشرين من أيار/ مايو الماضي. وبعد تصريحاته عقب نتائج الاستفتاء الدستوري وتكراره الدائم بأن كوادر العدالة والتنمية أصابها الكثير من التعب والإرهاق الفكري والذهني وتحتاج لتغيير وضخ دماء التجديد. ربما أراد رئيس الجمهورية كعادته، تبريد هذه التوقعات، والإعلان عنها في الوقت الذي يراه مناسبا كما حدث بالأمس، وربما بسبب بعض الأسماء التي لم يُتفق عليها مع رئيس الوزراء، رغم القناعة لدى الجميع بأن رئيس الجمهورية هو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة، لكن كلام الكواليس يقول بأنه تم المحافظة على الأسماء التي أرادها رئيس الوزراء ولكن لم يتم تغيير الأسماء التي أراد تغييرها واستبدالها بأسماء جديدة..!!
مع كل تغيير وزاري تكون هناك مفاجآت وتوقعات وخيبات آمل لدى الجميع من مراقبين ومتابعين وبين أعضاء الحزب وأعضاء البرلمان أيضًا.
وفي هذه التشكيلة الوزارية ايضًا هناك كثير من المفاجآت التي لم يتوقعها الكثيرون.
بداية وقبل الحديث عن هذه المفاجآت، لا بد من الإشارة لبعض النقاط والسمات التي تحلت بها التغييرات الوزارية في عهد العدالة والتنمية.
الأولى: أن العدالة والتنمية التركي اعتاد أن تكون تغييراته الوزارية في كل مرة جزئية ومحصورة، وليست شاملة وجذرية، أي الحفاظ على العمود الفقري مع تجديد الدماء وتطعيم الأغصان.
الثانية: هي أن تغيير الوزراء، لا يكون "عادة" بسبب فشل عمل هؤلاء الوزراء، بقدر ما يكون لتغيير الدماء، وتجديد النشاط، وإفساح المجال لإنجازات جديدة، ومراعاة بعض العوامل الأخرى، ولعل رئيس الوزراء بن علي يلدرم اختصر هذه الملاحظة بقوله: "كل اللذين غادروا الوزارت وكل من دخل التشكيلة الجديدة يمتازون بكفاءات عالية وخبرات مميزة، والتغيير هو فقط لتجديد الدماء والتناوب في حمل الراية"، والمتتبع لواقع الحال يدرك صدق هذه المقولة. فليس كل من أصبح خارج التشكيلة هو بسبب الفشل، أوعدم الإنجاز.
وهذه نقطة هامة تستحق الوقوف عندها وخاصة عندما نجد حالة مغايرة في بلاد الشرق الأوسط من "تعفن" القيادات في مناصبها ورغم مسلسل فشلها وإخفاقاتها، وهذا طبعا ليس محصورًا بالحكومات بل بالأحزاب والجماعات والمعارضات ومنظمات المجتمع المدني أيضًا.
الثالثة: اختيار الوزراء عادة يتم على معايير كثيرة، أهمها الكفاءة والخبرة والانسجامية مع الرئيس ومرعاة المناطقية أيضًا. لكن ثمت عوامل جديدة بدت واضحة في هذه التغييرات الأخيرة، على رأس هذه المعايير الجديدة.
الأول سجل الوزير وخاصة في الفترة الأخيرة وما أبداه من نشاط أثناء الاستفتاء الدستوري الأخير، والثاني وربما هو الأهم موقف الوزير وصلابته وحماسه وثبات موقفه خلال الصراع والمجابهة مع الكيان الموازي وتنظيف مؤسسات الدولة منه.
الرابعة: أنه لا يوجد أحد لا يمكن الاستغناء عنه مهما كان تاريخه حافلا بالنشاط والنجاح، وأن الباب مفتوحًا دائمًا أمام كل من يعمل ويخلص ويصبر. فالجميع يجب أن يكون مستعداً لأي مهمة ومنصب، والجميع يجب أيضاً أن يقبل التنحي والاستراحة وتبادل الأدوار والمهام.
الخامسة: أنه لا تغيير في السياسات الأساسية الثلاثة وهي الخارجية والأمنية والاقتصادية. فقد تم التأكيد على قيادة الاقتصاد من قبل الوزير ذو الأصول الكردية ونائب رئيس الوزراء محمد جيجيك المقبول داخليًا من قبل رجال الأعمال والمؤسسات الاقتصادية، وخارجيًا من قبل المؤسسات الدولية لعلاقته الجيدة والعمل سابقا معهم.
أما المفاجآت فهي كثيرة أيضًا ومثيرة رغم التغيير المحدود، فقد شمل التغيير 11 منصبًا، دخل التشكيلة الجديدة 6 وزراء لأول مرة، وخرج منها 5 وزراء من بينهم نائبا رئيس وزراء هما أرطغرل تُركش وويسي كايناك، وتغير مكان 5 وزراء أيضًا.
أول المفاجآت هي تغيير أربعة من أصل خمسة من مساعدي رئيس الوزراء ونوابه.
فقد تم استبعاد أرطغرل توركش من كامل الوزارة الجديدة، بعد أن دخلها لأول مرة خلال تشكيل وزارة الانتخابات الائتلافية، حيث خالف يومها رئيس الحركة القومية دولة بهجلي وانضم لحكومة داوود أوغلو ومن ثم انضم للعدالة والتنمية ويستمر بالوزرات اللاحقة. التقارب بين العدالة والتنمية والعلاقة الجيدة مع دولة بهجلي ربما منعت من استمراره بالوزارة حاليًا.
المفاجأة الثانية هي تعيين رئيس بلدية أورفا سابقًا وزيرا للزراعة والثروة الحيوانية، الطبيب الجراح الذي استطاع الفوز برئاسة البلدية مستقلًا بعد عدم ترشيحه من قبل الحزب في الأعوام الماضية ثم عاد للحزب مرة ثانية، وهو ربما الشخص الوحيد الذي يغادر الحزب ثم يعود إليه، فسياسة الرئيس أردوغان المعمول بها "من ينزل من القطار ويغادره فلن يركب به مرة ثانية" فاقي بابا كسر القاعدة وهاهو يصبح وزيرًا ولم يكن أحدًا يتوقع ذلك.
المفاجأة الثالثة: صعود وزير الصحة السابق رجب أكداغ لمنصب نائب رئيس الوزراء، أكداغ هو الوزير صاحب الرقم القياسي بتسلم وزارة الصحة لفترة طويلة بتركيا، حيث أصبح وزير الصحة في حكومة العدالة والتنمية الأولى واستمر لمدة أحدعشر سنة متواصلة حتى العام 2013 ليغادر الوزراة لمدة ثلاث سنيين ونصف ويعود إليها لضرورات مهنية وسياسية. لقد كان المتوقع أن يستمر الوزير في منصبه بعد أن حقق النجاح الباهر والمميز والأبرز في إنجازات العدالة والتنمية ورفع رصيد الحزب وامتنان ورضى المواطنيين لسنيين طويلة. لكن هذا التغيير فاجأ الكثيرين ورآه البعض لتوسعة الصلاحيات من أجل تحقيق إنجازات على مستويات عديدة تكون الصحة جزءًا منها لا كلها. ومؤشرا لصورة وشكل الإدارة القامة بعد الانتقال للحكم الرئاسي في العام 2019.
المفاجأة الرابعة: تعيين وزيرة للعمل والضمان الاجتماعي بعد 26 عاما من أول أمرأة تستلم هذه الوزارة في عهد المرحوم تورغت أوزال. وأصبح عدد النساء الوزيرات اثنتان في هذه الحكومة، وهذه رسالة لنصف المجتمع الذي يطلب المزيد من المقاعد للنساء.
إبقاء وزير الخارحية جاويش أوغلو مع وزير الاتحاد الأوروبي عمر جليك رغم توتر العلاقات مع دول الاتحاد الأوروبي والغرب دليل على أنه لا تغيير بالسياسة الخارجية ولا تراجع عن لغة التصعيد والمواجهة، وهذا مؤشر على سخونة الأيام القادمة في كل الفصول.
أما بالنسبة للقضية السورية التي أصبحت بيد الثنائي الروسي الأمريكي وغياب الدور العربي عن الساحة بشكل كامل، تظل تركيا تبحث عن دور ضمن التناقضات على أرض الواقع وتسعى لتقوية دورها كقوة معطلة لبعض السناريوهات التي تهدد أمنها القومي. وزير الدفاع فكري إيشيق الذي حقق نجاحات في وزارته، وخاصة تنظيف الجيش من العناصر الانقلابية وإعادة هيكلته من جديد، والنجاح بعملية درع الفرات رغم الممانعة من أمريكا والغرب، ينتقل لمنصب نائب رئيس الوزراء موسعا صلاحياته وإمكانياته تاركاً الوزارة لوزير جديد له دور كبير أيضا في محاربة الكيان الموازي واستعدادا لاتخاذ قرارت جريئة في اجتماع الشورى العسكري بالأيام القادمة، ليشكل هذا الثنائي قوة جديدة وتغييرات جذرية في بنية الجيش وتعامله مع المتغيرات الدولية، ويقوي تدخل الجيش خارج تركيا.
مما لا شك فيه أن تركيا تمر بمرحلة انتقالية وحرجة وتعاني من خلافات ومشاكل خارحية وداخلية وخاصة ما يحدث من تغييرات ورسم حدود لدول الجوار في سورية والعراق وهذا يحتاج لحكومة تستطيع ضمان الانتقال للنظام الرئاسي وحماية تركيا من أي انتكاسة أوتعثر، وبرأيي هذا ما ستركز عليه هذه الحكومة الجديدة وحاجتها لإنجازات اقتصادية ملموسة على مستويات عديدة وفي فترة قصيرة وهذا ليس بالأمر السهل في خضم هذا الموج الهائج والمليئ بكثير من الصعوبات والعراقيل.
هذه التغييرات التي اعتبرها البعض بأنها لم تأت بجديد، خاصة بعد كل هذا الانتظار ورفع سقف التوقعات بتغييرات جذرية ورسم ملامح المرحلة القادمة من الآن، لكن ومهما كانت هذه الانتقادات فإن هذا التغيير أراح تركيا من الانتظار والتخمين وراء الكواليس وأراح الحزب وحرك المياه من جديد لأن كل تغيير مهما كان دائما ما يجلب معه كثير من تجديد الدماء والنشاط والوجوه الجديدة المتحمسه للعمل والعطاء.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس