جلال سلمي - خاص ترك برس
انطلق الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، يوم الأحد 23 تموز/يوليو، برفقة ثلة واسعة من الوزراء والهيئات إلى الخليج، في إطار جولةٍ رسميةٍ يُجريها بهدف المساهمة في حل الأزمة التي نشبت بين بعض دول الخليج، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، من جهة، وقطر من جهةٍ أخرى. تشمل جولة الرئيس أردوغان المملكة العربية السعودية والكويت وقطر.
تُوصف الجولة، وفقاً لما تورده الصحف التركية، بأنها جولة "سلام" ترمي إلى حل الأزمة الخليجية، إلا أن الشخصيات والهيئات المرافقة للرئيس أردوغان، كوزير التجارة والجمارك ووزير الاقتصاد ووزير المصادر الطبيعية وهيئة العلاقات الاقتصادية الخارجية، تؤكد أن الزيارة لا تأتي في ضوء حل الأزمة وتأكيد دعم تركيا لقطر فحسب، بل تأتي في إطار حرصها أيضاً على الحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية. تلك العلاقات التي أدت، ولا زالت، إلى تعاون دبلوماسي وعسكري جيد يعود على تركيا بالفائدة الملموسة. ولعل تصريح وكالة الأنباء السعودية "واس" بأن المباحثات تطرقت إلى العلاقات المتبادلة بين البلدين، وتطورات الأوضاع في المنطقة، يبيّن تنوع أهداف زيارة أردوغان التي رمت، على ما يبدو، إلى المساهمة في إنجاح جهود الولايات المتحدة والكويت كوسطاء في الأزمة، بالإضافة إلى بحث أزمة الأقصى الأخيرة.
وفي سياق ما يمكن تقييمه في إطار سياسة "اصطياد الفرص"، يبدو أن الرئيس أردوغان وجد الزيارة فرصة مناسبة للتأكيد على دعمه للكويت في استتباب أمنها ضد التحركات الخارجية التي تُتهم إيران بالتخطيط لها. وربما الموقع الجيو ـ سياسي للكويت، والذي يتوسط الخليج العربي والعراق ـ الحليف المقرب جداً لإيران ـ والحاجة الكويتية لتنويع المصادر الاقتصادية، والمقام الكويتي المرموق في منطقة الخليج، حيث يوصف أميرها "بوسيط الخير بين الأخوة"، وغيرها، عبارة عن عوامل عدة تجعل هدف أردوغان من الزيارة ليس فقط دعم جهود حل الأزمة، بل النظر في عرى التعاون بين بلاده والسعودية والكويت.
من جديد، اتسمت تصريحات أردوغان التي أدلى بها، قبل الانطلاق في جولته، بالدعم التام لسياسة قطر حيال الأزمة، حيث وصفها بالسياسة "العقلانية". وعلى الأرجح، تتمحور زيارته لقطر حول النظر في الحلول المناسبة لقطر وبالتالي لبلاده، ووضع هذه الحلول ضمن أجندة الجهود الأمريكية والكويتية. وما يؤكد ذلك، تأكيد الصحف التركية، المقربة من الحكومة التركية، رغبة بلادها في استغلال فرصة زيارة أردوغان لقطر في رسم سياسات تنتج عنها "حلول جذرية" لمنع تكرار مثل هذه الأزمات. وفي سياق ذلك، نجد أن تصريحات وزير الدول القطري لشؤون الدفاع، خالد العطية، حول التحضر لإجراء مناورات عسكرية مشتركة بين القوات الأمريكية والقطرية والتركية، تصب في صالح الموقف التركي الذي ثبت على موقفه من وجود القاعدة العسكرية في قطر، حيث ستحصل تركيا، من خلال هذه المناورات، على تأكيد دولي لشرعية وأهمية قاعدتها في قطر. ويبدو أن هذه النقطة هي أكثر النقاط الواضحة حول النتائج الإيجابية التي حصلت عليها تركيا جراء موقفها الداعم لقطر.
ومن الممكن تبرير رغبة الحكومة التركية في دعم الموقف الأمريكي والكويتي في حل الأزمة سريعاً، وعدم فتح خارطة طريق جديدة لعملية الحل وفقاً للعوامل التالية:
1ـ ظهور ملامح تدعم ميزان القوى الخاص بقطر على حساب دول الأزمة الأخرى، كتوقيع مذكرة "محاربة الإرهاب" بين قطر والولايات المتحدة، وزيارة رئيس الأركان الأمريكي، الجنرال جوزيف دانفورد، لقطر، التطورات التي قيمتها الحكومة التركية، وفقاً للتصريحات الصحفية الواردة، على أنه دعم أمريكي للموقف القطري، ودفعتها لعدم فتح خارطة طريق جديدة لعملية الحل، بخلاف خارطة الطريق الخاصة بالطلبات القطرية، والتي تقيم على أنها دعم تركي للموقف القطري، وليس محاولة تركية لحل الأزمة.
2ـ الأجندة التركية التي تحتل أولوية "تقاسم النفوذ" في سوريا درجتها الأولى، وتخشى تركيا من تأثير استمرار الأزمة سلباً على مصالحها في سوريا تلك المصالح المتدهورة أصلاً. وفيما يمكن تقييم "التوسط المصري" لتهدئة الأوضاع في الغوطة الشرقية، على أنه تأثير سلبي على النفوذ التركي القطري السعودي المشترك في المنطقة، والذي، أي النفوذ، أصيب بحالة ضعف نتيجة الأزمة، يمكن الإشارة إلى أن الرغبة التركية في الحفاظ على المصالح الاقتصادية والدبلوماسية التي استطاعت بناءها بشكل أقرب ما يكون إلى الاستراتيجي مع بعض دول الخليج، كمجلس التعاون الاستراتيجي السعودي التركي، تشكل عاملاً آخر في دفع تركيا لعدم فتح باب منفصل عن الجهود الأمريكية الكويتية لعملية الحل.
3ـ الهوية الاستراتيجية: كانت تركيا تخشى من إمساك دول الإقليم والدول العظمى بتهمة دعم الإرهاب ضد أي دولة تخالف طموحها في الساحة الدولية. وبما أن الهوية التركية السياسية الخارجية الاستراتيجية تخالف تحركات أكثر من دولة في المحيط والعالم، وجدت تركيا أنه من الجيد تسريع عملية الحل ضمن الجهود المبذولة، لحفظ هويتها الدولية من التشويه على صعيد استراتيجي، وبالتالي الحفاظ على دورها الفاعل في الساحة الدولية من دون مهاجمة إعلامية مضادة.
في الختام، لا تصب الأزمات في صالح أي طرف من الأطراف الفاعلة في العلاقات الدولية. وهذا ما دفع تركيا للتحرك صوب المساهمة في حل الأزمة التي وضعتها في اختبار صعب أرغمها على ضرورة اللعب ببراعة للحفاظ على علاقاتها مع دول الأزمة بشكل متوازن.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس