زهراء معاذ - خاص ترك برس
عُرض مؤخرًا على شاشة قناة "تي آر تي" التركية، مسلسلُ "عاصمة السلطان عبد الحميد" (Payitaht Abdülhamid)، والذي يهدف لتسليط الضوء على أهم الأحداث التاريخية التي حصلت في زمن سلطان الإمبراطورية العثمانية، عبد الحميد الثاني، كحرب اليونان وقضية الأراضي الفلسطينية بالإضافة للمشروع الهامّ الذي أنجزه السلطان وهو سكة حديد الحجاز. أدّى دور السلطان عبد الحميد الممثل التركي بولنت إنال، ليصبح هذا المسلسل ضمن قائمة أهم الأعمال التي قدّمها إن لم يكن الأهم، خاصةً بعد النجاح الكبير الذي حقّقه على مستوى الشرق الأوسط والعالم.
وُلد بولنت في مدينة شانلي أورفا في تركيا في الـ 19 من مايو / أيار سنة 1973 لأمٍّ ممرّضة وأبٍ يعملُ في البريد، وهو ثالث وأصغر ابنٍ لهما. انتقلت العائلة إلى إسطنبول ليكمل بولنت دراسته الابتدائية فيها، ثم توجّهت إلى إزمير حيث توفّي الأبُ بحادث سيارة تاركًا بولنت الصغير يتيمًا بعمر الـ 13. أنهى دراسته الثانوية ودخل جامعة إيجه لدراسة الأدب، إلا أنه لم يستمر فيها كثيرًا. فبعد سنةٍ واحدة ترك الجامعة وانتقل لدراسة التمثيل في مسرح جامعة دوكوز إيلول، واستطاع إثبات تفوّقه فيها حيث أنهى دراسته بنجاحٍ بعد ثلاث سنوات وانضمّ إلى الفرقة الفنية "يوجال إرتين" (Yucel Erten's group).
مرَّ بولنت بظروفٍ ماديةٍ صعبة، وكانت عائلتُه تقدّم له العونّ على الدوام فدخلُه الشهري لم يكن كافيًا لتغطية تكاليف معيشته اليومية. لم يمنعه ذلك عن الاستمرار في محاولاته لدخول عالم التمثيل الذي لطالما حلم به، حتى تعرّف عليه المنتجُ التركي المعروف تومريس غيريتلي اوغلو الذي عرض عليه المشاركة في مسلسل آزاد، وبعد أن أثبت بولنت مهارتَه وتوالت نجاحاته مع شركة الإنتاج، عرض عليه تومريس سنة 2005 المشاركة في بطولة مسلسل تحت أشجار الزيزفون، لتكون بطولته الأولى.
حقق المسلسلُ نجاحًا واسعًا لم يتوقعه أحد، فبالرغم من أن مسلسلات تومريس تحظى بشعبيةٍ واسعةٍ في تركيا على الدوام، إلا أن تحت أشجار الزيزفون حقق نجاحًا كبيرًا في الشرق الأوسط كافة بعد أن تمت دبلجتُه إلى العربية تحت اسم (سنوات الضياع) ليكون أول مسلسلٍ تركي يكتسح ساحة الدراما العربية، لتتوالى بعده موجةُ المسلسلات التركية التي باتت اليوم عنصرًا أساسيًا في التلفزيون العربي.
الطريفُ في الأمر أن بولنت رفض في البداية تأدية دور "يلماز" في "تحت أشجار الزيزفون"، فقد رأى أن الشخصية تصعبُ تأديتُها فضلًا عن كونها بطولةً مطلقة لممثلٍ لم يؤدِّ دورَ بطولةٍ واحدة من قبل. المنتج تومريس رأى في بولنت شخصية "يلماز" التي لم يراها في ممثل آخر، فألحَّ عليه من أجل قبول الدور والعمل عليه. ومنذ عرض الحلقات الأولى من المسلسل أصبح بولنت أحد نجوم الصف الأول في تركيا بسبب أدائه المتقن وموهبته الكبيرة في التجسيد، إلا أن ذلك لم يستطع سلبَ بولنت التواضع الذي اشتُهر عنه، فبحسب طاقم العمل عُرف بولنت بهدوئه الشديد وأدبه الجم وتواضعه وشخصيته الودودة مع الجميع، وبالرغم من كونه بطل العمل لم يقم بإزعاج أحدٍ أو رفع صوته على أحد طوال مدة التصوير التي استمرّت لأكثر من سنتين وكان يساعد الجميع بقدر استطاعته.
استطاعت شخصيةُ "يلماز" دخول قلوب الجماهير، فبدلًا من اسمه الحقيقي، أصبح بولنت معروفًا باسم "يلماز" في الشارع التركي وباسم "يحيى" في الشارع العربي وهما الاسمان اللذان أطلقا على شخصيته في كل من النسخة التركية والنسخة العربية، تلك الشخصية التي أصبحت ملهمةً للكثير من الأعمال التركية والعربية التي تلت (تحت أشجار الزيزفون)، شخصيةُ الشاب الفقير العصامي، الذي جمع بين الرجولة والحدة، وبين العاطفة والرومنسية، وصار بولنت منذ ذلك الحين بمثابة رجلَ الأحلام لعدد من الفتيات في الشرق الأوسط.
وفي سنة 2010، قام بولنت بتأدية دورٍ آخر حاز على شعبية جماهيرية واسعة، في مسلسل "الأغنية التي لا تنتهي"، شاركته في بطولته الممثلة بيرجوز كوريل.
وفي مطلع العام الجاري 2017، أعلنت شركة الإنتاج التركية الضخمة ES film، والتي تعدُّ بمثابة هوليوود تركيا، عن بدء العمل على إنتاج مسلسل "عاصمة السلطان عبد الحميد". تم اختيار بولنت إنال ليؤدّي دور البطولة. يقول يوسف إسنكال، مدير شركة الإنتاج بالتعاون مع سِردار أورتجي: "منذ أن قرّرنا العملَ على مسلسل السلطان عبدالحميد، رأينا هذه الشخصية في بولنت إنال، وقرّرنا أن لا أحد يجب أن يحمل هذا الدورَ سواه. وبسبب جدول أعماله المزدحم، كان علينا الانتظار عدة سنواتٍ حتى تُتاح لنا الفرصة للتعاقد معه على هذا العمل الذي نرجو أن يحقق نقلةً نوعيةً في الدراما التركية".
وبالرغم من عدم التشابه الشكليّ بين بولنت وعبد الحميد، استطاع بولنت إيصال مشاعر وأفكار السلطان وتقديمها للجمهور بشكلٍ حقيقيٍّ، الأمر الذي فسّر إصرار المنتجين على انتظاره من أجل إنتاج المسلسل، يقول بولنت عن هذا النجاح: "ردود الفعل الإيجابية الواردة أسعدتني واكتشفتُ أن تجسيد الشخصية وعكس مشاعرها بشكلٍ صحيح أهمُّ بكثيرٍ من مجرد التشابه الجسدي، وأعتقد أن المشاهدين شعروا بذلك".
وهنا، لا بدّ من الإشادة بجرأة بولنت في موافقته على تأدية هذا الدور الذي لم يروِ أحداث حياة عبد الحميد منذ ولادته أو تولّيه الحكم، وإنما يناقش الثلاثة عشر سنة الأخيرة من حكمه فقط، وهي من أكثر الفترات حساسيةً في التاريخ العثماني، فبالرغم من كونها تمثل انتهاء الإمبراطورية العثمانية، إلا أنها شكّلت صعودًا في العديد من المجالات من خلال الإنجازات التي قام بها السلطان عبد الحميد الثاني والتي لم يسلّط الضوءُ عليها من قبل. الأمرُ الذي سيضعُ بولنت في مواجهةٍ مع الجماهير والنقاد والمؤرخين، فهو في هذا العمل لا يمثل أو يجسد شخصيةً فحسب، وإنما يخوضُ في أحد أكثر المواضيع حسياسيةً وإثارةً للجدل في الوسط التركي والإسلامي والعالمي.
ومن الجدير بالذكر أن المسلسل استطاع ومنذ الحلقات الأولى تحقيق نجاحٍ ملفتٍ على مستوى العالم. فقد تلقّت شركةُ الإنتاج عدة طلباتٍ من أمريكا اللاتينية ومنطقة البلقان والشرق الأوسط وقطر وألبانيا وغيرها من أجل شراء حقوق المسلسل وعرضه على تلفزيوناتهم بعد أن كان يعرض على التلفزيون التركي تي آر تي بشكلٍ حصري.
خبّأ بولنت بداخله العديد من المفاجآت التي كانت صادمةً حتى بالنسبه إليه، بعد النجاحات الواسعة التي حققها ببطولةٍ أولى اكتسحت الشرق الأوسط "تحت أشجار الزيزفون"، وتأديته لأحد أكثر الشخصيات إثارةً للجدل في التاريخ "السلطان عبد الحميد"، ربما لا يزال بولنت يحملُ مفاجآتٍ أخرى، فيبدو أنه لا شيء بإمكانه أن يقف أمام موهبةٍ عظيمة وإصرارٍ لا متناهٍ.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!