ترك برس
مع اندلاع الحرب العالمية الأولى ثم انضمام الدولة العثمانية إلى دول المحور، فرضت دول الحلفاء على البلاد العربية حصارا اقتصاديا منع الحجاج من الوصول إلى مكة، ومنعت المواد التي كانت تأتي من أوروبا من دخول الدول العربية، ومنع التصدير إلى خارجها، الأمر الذي أدخلها في أزمة اقتصادية خانقة.
ونتيجة للحصار البحري الذي فرضته بريطانيا العظمى على شبه الجزيرة العربية نفد مخزون الحبوب المحلية وانتشرت مجاعة كارثية في بلاد الحرمين التي كانت تعتمد اعتمادا كليا على الواردات وعلى موسم الحج الذي توقف بسبب الحرب والحصار.
وتكشف إحدى وثائق الأرشيف العثماني رسالة مؤرخة في الثامن والعشرين من شهر شوال 1333 بعث بها وجهاء وأعيان بلاد الحرمين إلى السلطان العثماني، يصفون فيها ما حل بهم من ضيق ومجاعة بسبب الحصار وانقطاع الحجاج من خارج شبه الجزيرة، ويطلبون منه العون والدعم حتى تنقضي الحرب.
وتكشف الوثيقة أيضا أن سكان بلاد الحرمين كانوا ما يزالون على ولائهم للدولة العثمانية، وأنهم لم يكونوا مؤيدين لتنصيب الشريف حسين ملكا عليهم ورافضين لمطالب إنجلترا بالثورة على العثمانيين. وفي ذلك يذكر المستشرق النمساوي، ألويس موزيل، الذي زار القبائل العربية مرتين في مهمة رسمية لإقناعها بعدم التعاون مع البريطانيين،" بما أن المواصلات توقفت جزئيا بسبب ضرب سكة حديد الحجاز والمعونات الغذائية قليلة، كان سكان الساحل يعانون المجاعة ومرغمين على الاستجابة لطلبات الإنجليز والإقرار بحسين ملكا لهم".
وفيما يلي نص الوثيقة:
دلولتو عطوفتلو أفندم حضرتلي
غير خفي على سماء الدولة العلية وأفلاك الخلافة الجليلة، ملاذ العوالم الإسلامية، ومحط الأفضال الرحمانية القائمة بحفظ الحوزة المحمدية، أن سكان الحجاز أهل أودية لا زرع بها ولا ماء،ولا نبات فيها ولا كلأ، أراضيها قفرة الأعماق، عديمة الإنفاق، لا رواج فيها للتجارات والمكاسب،ولا تحمل لها للصنايع والمناصب، سيما بلدة باني الإسلام وهادي الأنام عليه وعلى آله الصلوة والسلام، فإنها ضعيفة الحيل جدا والأعمال، وعديمة طرق الكسب والأحمال. بيد أن مالك القضاء والقدر جعل أفئدة الناس تهوي إليهم من المشارق والمغارب، وحمل الخلايق يجبون لديهم ثمرات كل شئ وأنواع الرغائب . كانت الأغراب تأتي إلى مأوى الإيمان بالأرزاق من كل فج عميق ووفود الحجاج والزوار تجلب إلى مركز الإسلام المعايش من كل مكان سحيق. فأناس كانوا يتربون بما يأتيهم من رغد الرزق والوظايف ، وقبايل كانوا يتعيشون بالتجارات والخدمة لأضياف الله والرسول وهدايا الطوائف، سيما المهاجرون عن الأوطان الخصبة والبلاد الرغبة، محبةً للإسلام والدين، وكراهةً لحماية الكفرة الملحدين. فهؤلاء لم يكن لهم طريق للتعيش إلا ما يرفع إليهم من محاصل أملاكهم في البلاد، أو الهدايا والإعانات من أقاربهم وكرام العباد . فأصبحت اليوم، للحرب العمومية، عامة طرق معايش سكان الحرمين في نهاية الانكساف والانحلال، وجميع وجوه الأرزاق لمجاوري سيد الأنام في غاية العبوسة والاضمحلال. وبلغت الأرواح الحلقوم والقلوب الحناجر، ولات حين مناص. وضاجعوا بئس الضجيع فشاهدوا الموت من كل مكان، وأين حين خلاص. انقطعت السبل وبادت الأموال، وجاعت الأهل والعيال فضاقت الأحوال.
فنسترحم سماحتكم الكريمة إعانة هؤلاء المنقطعين تحت ظلالكم الظليلة، الواصلين نهاية الفلق بما نزل من الأكدار الضليلة، بقرض شرعي يكفي لسد رمقهم إلى أن تنقضي الحرب والفتن، وتطمئن الخواطر بنصرة المسلمين وناصريهم وإزالة المحن، وترجع الأمور إلى محورها الأصلي، وتنقلب المنقلبات إلى مركزها السفلي.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!