ترك برس
أشار تقرير إسرائيلي إلى أن الدروس التي استخلصتها تركيا من تلكؤ وتأخر دول حلف شمال الأطلسي (ناتو) في نشر بطاريات "باتريوت" في أراضيها خلال حربي الخليج الأولى والثانية، تدفع الأتراك باتجاه بناء قوة ذاتية، وحيازة منظومة "إس 400" الروسية.
التقرير الذي نشره السفير الإسرائيلي السابق في موسكو تسفي مغين، والباحثة في "مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي" غاليا ليندشتراوس، قال إنه من غير المستبعد أن تقود صفقة السلاح الروسية-التركية، القاضية بتزويد تركيا بمنظومات صواريخ "إس 400" الدفاعية، إلى ابتعاد تركيا عن "حلف شمال الأطلسي" (الناتو) وتعزيز تقاربها مع روسيا.
ورأى التقرير المنشور على موقع "مركز أبحاث الأمن القومي"، وفق صحيفة العربي الجديد"، أن هذا الأمر يعزز تعاظم قوة روسيا وتأثيرها الإقليمي في الشرق الأوسط ويطرح تساؤلات حول مستقبل علاقات تركيا مع "الحلف الأطلسي".
وأشار التقرير إلى أن تركيا تسعى في السنوات الأخيرة، لتعزيز قدراتها الدفاعية، خاصةً أنها لا تملك مثل هذه الدفاعات حالياً، وكانت تعتمد في الماضي على ما تقدمه لها دول "الناتو"، كما حدث خلال حربي الخليج الأولى والثانية.
واعتبر التقرير أن مجرد تحويل دفعة أولى من هذه الصواريخ الدفاعية الروسية، سيؤدي إلى تقليل فرص إلغاء هذه الصفقة وإنْ كان الأمر غير مستحيل، بحسب الكاتبين.
لكن الأهم هو أن هذه الصفقة يمكن لها أن تكون مؤشراً لرغبة تركيا بأن تملك قوات دفاعية جوية بشكل مستقل عن "حلف شمال الأطلسي"، وحيازة الـ"إس 400" هي خطوة أولى في هذا الاتجاه. ورأى التقرير أن تركيا تسير أيضاً باتجاه التأسيس لسياسة خارجية مستقلة، وتطوير منظومات دفاعية أفضل وأكثر تطوراً من تلك المتوفرة لديها حالياً.
وسبق لتركيا أن سعت لامتلاك مثل هذه المنظومات في عام 2013، عندما نشرت مناقصة خصصت فيها مبلغ 4 مليارات دولار لشراء منظومات دفاعية مشابهة، فازت بها شركة صينية، إلا أن تركيا عادت وتراجعت عن الصفقة بفعل الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة على الحكومة التركية، وفق ما ورد في تقرير مغين وليندشتراوس.
وبحسب التقرير، فإن لروسيا مصالح مختلفة غير تلك التقليدية المتمثلة باستغلال الفرص لبيع صناعاتها العسكرية وتحسين وضعها الدعائي والاقتصادي والترويج لصناعتها بالاستدلال على تطورها من خلال شراء دولة عضو في "الحلف الأطلسي" للصناعات الروسية.
ويضيف أن روسيا تسعى أيضاً لتفاقم الخلافات بين تركيا وبين دول "الحلف الأطلسي" وتعميق الشرخ في العلاقات بين تركيا والولايات المتحدة، كما أن الصفقة تعكس نمط السلوك الروسي التقليدي باستغلال وتوظيف بيع السلاح لخدمة مصالحها في الحلبة الدولية.
ويرصد الفرق في الموقف الأميركي من كلا الصفقتين وصولاً إلى الاستنتاج بأن الولايات المتحدة تعتبر شراء السلاح من الصين خطاً أحمر، وهو ما لا ينطبق على شرائه من روسيا، إذ اكتفت الخارجية الأميركية، أثناء تعقيبها على الصفقة، بالإشارة إلى أنها تناقض التزامات الدول الأعضاء في "الناتو"، كما تجلت في بيان قمة "الحلف" في وارسو عام 2016.
وكان الأمين العام لـ"حلف شمال الأطلسي"، ينس ستولتنبرغ، أعلن أخيراً، أن كل دولة عضو في "الناتو" تتخذ قرارها بنفسها في ما يتعلق بـ"المعدات التي تشتريها"، في إشارة إلى عدم ممانعة "الحلف" على حيازة أنقرة للمنظومة الدفاعية الروسية.
وكان أردوغان قد اعتبر أن الصفقة مع روسيا تختلف عن تلك التي كانت مقررة مع الصين، لا سيما أن تركيا لا تعتزم دمج منظومات هذه الصواريخ في حلف "ناتو"، ولأن اليونان، العضو هي الأخرى في "الحلف"، تملك منظومات "إس 300" روسية الصنع، من دون أن تقابل بانتقادات كالتي كانت من نصيب تركيا، كما أن سلوفاكيا تملك منظومة مشابهة منذ كانت عضواً في "حلف وارسو"، وفق التبريرات التركية.
ولفتت الورقة الإسرائيلية إلى أن إتمام الصفقة سيلزم بمواصلة التعاون التركي-الروسي المطلوب لتفعيل هذه المنظومة الدفاعية، مما قد يفضي إلى استمرار القلق في صفوف "الحلف الأطلسي" من تهريب ووصول معلومات استراتيجية بمستويات مختلفة من تركيا لروسيا.
ومع أنه طرأ أخيراً تقارب في المواقف بين تركيا وروسيا بما في ذلك في الملف السوري، إلا أنه لا تزال هناك خلافات في المواقف بين الطرفين في جملة من القضايا منها المسألة الكردية وتأييد روسيا لأكراد سورية، لا سيما في ظل تصريح وزير خارجية النظام السوري، وليد معلم، أخيراً، بأن النظام منفتح على مداولات بشأن الحكم الذاتي لأكراد سورية.
وهذا تصريح رأى الباحثان الإسرائيليان أنه كان لروسيا تأثير في إصداره، إذ إن موسكو رصدت نقاط الضعف التركية في الملف السوري وتقوم باستغلالها لزيادة ضغطها على أنقرة.
ويتصل ذلك بالرغبة التركية في تعزيز علاقاتها مع روسيا لضمان دورها وتأثيرها في بلورة مستقبل سورية إلى جانب روسيا حتى لا تترك الميدان لمنافسين وخصوم آخرين لها.
وأشارت الورقة إلى مجالات متعددة للتعاون التركي-الروسي والمصالح الثنائية المشتركة مثل خط الغاز الذي يتم بناؤه من روسيا ويمر عبر تركيا، ومحطة توليد الطاقة النووية الأولى من نوعها في تركيا، والتي تقوم على بنائها الشركة الروسية الحكومية "روساتوم"، وأخيراً صفقة التزود ببطاريات الصواريخ "إس 400".
لكن الباحثين ذكرا أن التقارب الروسي-التركي لا يقلص في حد ذاته إمكانيات التأثير الكثيرة التي يملكها الغرب في علاقته مع تركيا، وعلى رأسها العلاقات الأمنية المتمثلة في عضوية هذا البلد في "حلف شمال الأطلسي"، والتبادل التجاري بين أنقرة ودول "الحلف".
كما أن تركيا على أثر الانقلاب الفاشل في يوليو/تموز 2016، بحاجة للدعم الأميركي لها في تدريب سلاحها الجوي على المقاتلات من طراز "إف 16"، فضلاً عن أنه من المفترض أن تكون تركيا من بين الدول التي ستحصل على المقاتلات الأكثر تطوراً من طراز "إف 35".
لكن هذا كله لا ينفي، بحسب الباحثين الإسرائيليين، حقيقة أن تركيا تعتبر شريكاً "إشكالياً في الحلف الأطلسي" على الرغم من التقارب مع روسيا، وهو تقارب يجعل تركيا لاعباً، تتراجع إمكانية التنبؤ بشأن سلوكه في حال اندلعت مواجهة وصدام بين روسيا وبين دول "الحلف الأطلسي".
وخلص الباحثان إلى أن صفقة "إس 400"، في حال تطبيقها كلياً، قد تكون عاملاً محفزاً على التفكير في كيفية تحسين العلاقات التركية مع الغرب، أو على الأقل لمعرفة كيفية وقف التدهور الحاصل في هذه العلاقات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!