فرج كُندي - خاص ترك برس
تعتبر الولايات المتحدة الامريكية مصدر انبهار قبل أن تكون مصدر الهام للنخبة العلمانية الليبرالية الحداثية في العالمين العربي والإسلامي فهي تمثل لديهم قمة ما و صلت إليه الحضارة الغربية ....
وما تصبوا إليه أحلامهم في تحقيقه في بلدانهم التي تفتقر إلى سيادة هذه القيم التي سيطرت على عقولهم واصبحت منتهى افكارهم وغاية احلامهم .
ولعل اهم مجال تناولته النخب المتغربة هو المجال السياسي وتحقيق الحرية السياسية من خلال تكوين الأحزاب, وممارسة التداول السلمي على السلطة بنفس الطريقة " الناجحة " في الدول الغربية ونموذجها ( المثل الأعلى والقدوة النموذجية ) الولايات المتحدة الامريكية دولة التعدد والتنوع والحريات وفق رؤيتهم وخاصة, واعتبار سر نجاح هذا النظام في فصل بل ابعاد الدين عن الدولة وقد عبر أحد المتأثرين عن هذا المبداء بالقول " الدولة لا دين لها .
إلا أن هذه النخب جهلت أو تجاهلت - فالأمر سيان - أن القيم الامريكية تقوم على اصول وقواعد دينية لها اثرها المباشر الحياة السياسية في المجتمع الامريكي سواء على المستوي السياسي والاقتصادي والاجتماعي وهذا ما نشاهده خلال الفترات الانتخابية في الولايات المتحدة الامريكية من خلال تصريحات المرشحين للرئاسة او من خلال مدراء حملاتهم ومناصريهم .
وقد كتب الدكتور عبدالله النفيسي في كتابه الفكر الحركي للتيارات الاسلامية عام 1995م عن دور العامل الديني في الانتخابات الامريكية اثناء ترشح أهم رئيسين منذ قترة الثمانينات من القرن الماضي هما رونالد ريجان و جورج بوش الاب ( فمن الملاحظ أن عالمنا يعيش ظاهرة إحياء روحي فرؤساء الولايات المتحدة ريجان وبعده بوش اعتمدا على الدين كأحد المكونات الرئيسية في حملاتهم الانتخابية )1 وهو ما اكده الكاتب الامريكي إسبوزيتو في كتابه مستقبل الإسلام ( عندما أدلى ريجان بخطابه الرئاسي في المؤتمر الوطني الجمهوري , بدا مثل المبشر الديني الذي يدعو إلى صحوة أمريكية ؛ مستعملاً المنطق الديني والسياسي لمعنى الصحوة )2 وهناك نموذج اخر يمثل الحالة العلمانية في أمريكا وهو " جون ماكين " وهو مرشح رئاسي امريكي معروف يقول :عنه "جون إل إسبوزيتو" في كتاب مستقبل الإسلام ( من ضمن أكبر المتعصبين لفوبيا الإسلام القادة الأمريكيون من المسيحيين الصهاينة )3 حين رشح نفسه للانتخابات الرئاسية لعام 2008ميلادية وقادته رغبته في الرئاسة ( أن يؤيد نفسه باليمين المسيحي المتدين من الجناح اليميني الذين يرغب بشدة في أصواتهم إلى جمع صور للكنائس الضخمة والمبشرين المسيحيين ) 4 وبناء على هذا الموقف الذي تبناه تلقى ماكين التأكيد من" رود بارسلي" و جون هيجي ؛ والمسيحيين اليهود المشهورين الذين يلتقي معهم في الموقف من الإسلام والمسلمين وينتهجون نفس العقيدة اليمينية المتطرفة .
فهم يعتقدون أن تأسيس دولة إسرائيل في عام 1948ميلادي – وعودة – اليهود إلى الأرض المقدسة هي شرط أساسي للمجيئ الثاني للمسيح المذكور في نبوات الكتاب المقدس مثل " ليكن لا عنوك – اسرائيل – ملعونين , و مباركوك مباركين " التكوين 27:29.
أن " بارسلي ,وهيجي " مثل "جيري فالويل, وبان روبرتسون " زعماء اليمين المسيحي في الثمانينات والتسعينات ح الذين اخذوا موقفاً يهودياً متشدداً, ورحب بهم الزعماء الإسرائيليون بدءا من " مناحيم بيجن " إلى " إريل شارون , وبنيامين نتنياهو"
رود بارسلي القائد لأثني عشر الفاً من أعضاء الكنيسة الضخمة , رحب بجون ماكين كمستشاره الروحي ومؤيده القوي في الانتخابات الأولية في "أوهايو" وخصص فصلاً كاملاً في كتابه عام 2005ميلادي " لا صمت بعد اليوم "إلى التحذير من حرب بين الحضارتين المسيحية والاسلامية , و أدان بارسلي " اليأس الروحي " للمتحررين المدنيين الأمريكيين الذين ينادون بفصل الكنيسة عن السلطة , وعرف الإسلام على أنه دين معاد للمسيح " قائم على التضليل " وأن النبي محمداً وفقاً لبارسلي " تلقى الوحي عن الجن وليس عن الإله الحقيقي .
وقال بارسلي : الحقيقة أن امريكا قامت جزئياً بنية أن ترى هذا الدين الزائف محطماً.
إن القس جون هيجي المؤيد القوي لماكين هو مبشر مسيحي مشهور وهو أيضاً مسيحي يهودي يذاع له على التلفاز والراديو برمج في اكثر من 190 دولة حول العالم . في فبراير عام 2006 ميلادي قام هو وأربعمائة قائد مسيحي ويهودي بتشكيل منظمة " المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل " وهي منظمة تخاطب الكونجرس فيما يتعلق بدفاع الإنجيل عن إسرائيل.
والمتابع لحملة الرئيس الامريكي السابق " باراك اوباما " يجدها كانت تمثل أثر الدين في الحياة الامريكية وخاصة السياسية حين قام خصوم المرشح اوباما باستخدام الأصول الإسلامية لأوباما كورقة دعائية ضده للتقليل من شعبيته والتحذير منه, وهو ما دفع به الى الاضطرار ولكثر من مرة للتأكيد للناخبين انه لا يدين بالإسلام ردا على خصومة وتطمين للناخبين الامريكيين الذين يشكل لهم دين الرئيس اعتبار كبير بل مذهب المرشح له اثره في الناخبين ولم يشذ عن هذا إلا رئيس واحد ( جون كندي ) فقد كان الاول والاخير.
فحقيقة الامر الذي على النخب المتأمركة ان تعيه جيد أن الدين اساس الحياة ولا قيام لأمة أو نهوض لحضارة إلا بالتمسك بعقائدها وممارسة دينها وجعله المنطلق الاول لتحقيق ريادتها وسيادتها وسعادتها مع الاقتباس بما هو صالح ومفيد في مرحلة التطور والبناء دون التخلي عن ثوابتها, ولا تنسلخ من دينها .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس