كورت ديبوف - دورية السياسة التركية - ترجمة وتحرير ترك برس
المراحل الأربع للثورات العربية
يبدو للوهلة الأولى أن من المستحيل مقارنة الثورة العربية بالثورة الفرنسية. ولعل السبب الأكثر وضوحا لذلك هو أنه على عكس فرنسا، لم تقتصر الثورة العربية على بلد واحد، وشهد كل بلد في العالم العربي أحداثا تاريخية وتسلسلا زمنيا للأحداث التي شكلت ثورته. ومن الواضح أن تونس وسوريا، على سبيل المثال، شهدتا نتائج مختلفة كل الاختلاف لثورتيهما. على أن السبب في الاستعراض العام الذي قدمناه للثورة الفرنسية بطريقة مفصلة إلى حد ما، هو أن هناك أوجه تشابه أكثر مما توقعه الكثيرون.
أولا، بدأت الأحداث الثورية في العالم العربي مرتبطة تماما، فحين أشعل البائع المتجول محمد بوعزيزي النار في نفسه في 17 ديسمبر/ كانون الأول 2010، انتشرت الاحتجاجات في جميع أنحاء تونس. وفي 14 كانون الثاني/ يناير 2011، فر رئيس البلاد، زين العابدين بن علي إلى المملكة العربية السعودية. في ذلك اليوم نفسه بدأ الناس الاحتجاج في الأردن. وفي 25 يناير، بدأ آلاف المصريين في ملئ ميدان التحرير. في 11 فبراير/ شباط، وبعد 18 يوما من النضال، أطاح المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالرئيس حسني مبارك. وفي 3 فبراير، بدأت الاحتجاجات في اليمن. وفي 17 فبراير في ليبيا،وفي 19 فبراير في البحرين، وفي 20 فبراير في المغرب، وفي 14 آذار/ مارس في المملكة العربية السعودية، وفي 15 مارس في سوريا. وباختصار، في غضون فترة وجيزة جدا، كانت هناك ثورة فيما لا يقل عن تسعة بلدان.
على أن نتائج هذه اللحظات الثورية التسع كانت متباينة للغاية: في تونس ومصر واليمن، طرد الديكتاتور بطريقة سلمية نسبيا، وفي المغرب والأردن وعد الملك بإصلاحات، وفي
البحرين والمملكة العربية السعودية، سحق الجيش المظاهرات. وفي ليبيا وسوريا أدت المظاهرات إلى حرب أهلية، ولكن في ليبيا وبمساعدة الناتو انتهت الحرب الليبية بقتل معمر القذافي، أما في سوريا، فما تزال الحرب مستمرة. ولكن كما كان هو الحال في فرنسا، أعقب الانتصارات الثورية الأولى في تونس ومصر واليمن وليبيا والمغرب والأردن، "شهر عسل" قصير
إذا نظرنا إلى مراحل الثورة المختلفة، وفقا لبرينتون، يمكننا إجراء مقارنة سهلة. خذ مصر على سبيل المثال، حيث يمكن القول إنه بعد الثورة، كانت "قاعدة المعتدلين" هي قاعدة المجلس الأعلى للقوات المسلحة. حاول الجيش قيادة مصر نحو انتخابات ديمقراطية، دون إحداث الكثير من الفوضى. ومع فوز الإخوان المسلمين في انتخابات عامي 2011 و2012، استطاعوا أن ينتزعوا "حكم الفضيلة"، ولكنه كان بالكاد "حكم الإرهاب"، وعلى الرغم من أن الناس في مصر شعروا بأنهم حكموا بطريقة (إسلامية) فإنهم لم يحبوه. ثم جاء الثيرميدور المصري في الثورة الثانية في 30 حزيران/ يونيو 2013، تلاها انقلاب السيسي في 3 تموز/ يوليو. وبعد عام واحد من رئاسة عدلي منصور المؤقتة و"الإرهاب الأبيض" ضد الإخوان المسلمين والناشطين الثوريين الآخرين، رمز انتخاب المشير عبد الفتاح السيسي بنسبة 96.1 في المئة من الأصوات إلى نهاية الثورة أو المرحلة الرابعة من مراحل الثورة، وفقا لبرينتون. وكما هو الحال في الثورة الفرنسية، كان لكل مرحلة من مراحل الثورة المصرية دستورها الخاص.
وعلى الرغم من أن مراحل برينتون الأربع للثورة قد لا تنطبق تماما على مصر، فإن هناك أوجه تشابه لافتة للنظر. بيد أن مقارنة قاعدة مرسي الشعبية بحكم روبسبيري تبدو غير عادلة لمرسي والإخوان المسلمين. ومن ناحية أخرى، فإن التعصب والإرهاب والخيار بين الفضيلة أو الموت يبرز عند مقارنته بتنظيم الدولة (داعش). ومثلما فعل روبسبير وجيكوبينز، ثبت داعش"عهد الإرهاب والفضيلة" في سوريا والعراق وفي سيناء وأجزاء من ليبيا واليمن والمملكة العربية السعودية.
في جميع الدول التي اجتاحتها الثورة العربية، نرى المعتدلين (من الثوار والإخوان المسلمين) يصلون إلى سدة الحكم، ثم طرد المعتدلون في مصر خلال الثورة المضادة أو ثيرميدور. وفي سوريا تغلبت داعش على المعتدلين وطردتهم "حكم الإرهاب والفضيلة". وفي ليبيا، أدت معركة بين المعتدلين إلى حرب أهلية، وفي نقطة معينة تخطت شخصية ثيرميدورية، هي الجنرال خليفة حفتر، المعتدلين في وقت ما، في حين تغلب المتطرفون على الإسلاميين المعتدلين (الإخوان المسلمين). وفي المغرب، جلب الملك الإسلاميين المعتدلين إلى الحكومة، وفي الأردن، قام الملك بإصلاح النظام، لكنه أوقف إصلاحاته.
أسباب الثورات العربية ما تزال قائمة
لم يناقش كرين برينتون في كتابه أسباب الثورة الفرنسية ومع ذلك، يمكن مقابلة التشابه بين الثورة الفرنسية والثورة العربية. شهد القرن الثامن عشر حتى عام 1789 نمو سكان فرنسا من 20 إلى 30 مليون نسمة، ولم يستطع النظام الاقتصادي والاجتماعي الفرنسي أن يتكيف مع تزايد عدد الشباب وطموحاتهم، وعادة ما كانت الوظائف تنتقل من الأب إلى الابن، ما يعني إيجاد مستويات عالية من البطالة بين الأبناء الذين استبعدوا. وكان النظام أيضا غارقا في الفساد، فكانت قلة قليلة قادرة على شراء منصب أو وظيفة، مقابل أغلبية عاجزة عن ذلك. وبصرف النظر عن التركيبة الديمغرافية والظلم الاجتماعي والاقتصادي، فإن جيل الشباب يتطلع إلى مزيد من الحرية السياسية والحقوق السياسية.
عندما كان الناس يصرخون خلال الربيع العربي "الخبز والحرية والعدالة"، كانوا يشيرون إلى المشاكل نفسها التي ضربت فرنسا. انفجرت التركيبة الديموغرافية في العالم العربي خلال القرن الماضي، حيث تضاعف عدد السكان في مصر والمغرب أكثر من خمس مرات، ومعظم السكان دون سن الخامسة والعشرين، والنظام الاجتماعي والاقتصادي بالغ القسوة يسبب البطالة الشديدة. هذا الجيل الشاب لا يشعر بالإحباط من الناحية الاقتصادية فحسب، بل أيضا من عنف الشرطة وغياب حرية التعبير والحقوق السياسية.
كان السبب في أن فرنسا استغرقت وقتا طويلا في التحول إلى ديمقراطية مستقرة في عام 1870 بعد ثورة 1789 هو القطيعة بين آمال الأجيال الشابة وتطلعاتها من جهة، والصراع بين النخب التي أخفقت مرارا وتكرارا في الإنقاذ من ناحية أخرى. ولا يختلف هذا أيضا عن حال العالم العربي اليوم، ذلك أن آمال الأجيال الشابة وتطلعاتها لم تنته، ووضعهم اليوم ليس أفضل أو حتى أسوأ مما كان عليه الحال قبل عام 2011. إن النظر إلى الربيع العربي على أنه أصبح "شتاء" عربيا أو أن الثورة العربية قد انتهت وأخفقت، هو تحليل قاصر؛ لأن الثورة ربما بدأت فقط وربما تستمر لسنوات وربما لعقود قادمة.
الثورة العربية لم تنته بعد
إن إطلاق تسمية الربيع العربي على الثورة العربية أمر غير منصف من الناحية التاريخية، ذلك لأن الثورة العربية لديها كل عناصر الثورة الحقيقية، مثل الثورة الفرنسية تماما. ومثلما كان حال فرنسا بعد عام 1789، يوجد بين العرب معتدلون، ومتطرفون، وثورة مضادة أو ثيرميدور بجنرالاتها الذين يريدون إنهاء الثورة.
ومثل الثورة الفرنسية أيضا، فإن أسباب الثورة العربية موجودة في الديموغرافيا، والظلم الاجتماعي والاقتصادي، وفي قمع حرية التعبير والحقوق السياسية. إن الوضع الراهن في العالم العربي لا يبعث على الأمل بشكل خاص، ولكن إذا كنا نعيش في فرنسا في أواخر تسعينيات القرن التاسع عشر، لكُنّا في قمة التشاؤم. استغرقت فرنسا 86 عاما و14 دستورا مختلفا لتحقيق أول ديمقراطية مستقرة منذ ثورتها. إن العالم العربي يستحق المزيد من الوقت قبل أن نستنتج أن الديمقراطية لن تنجح أبدا أبدا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس