ترك برس
بعض الأشخاص ممن يعملون بصمت دون أن يظهروا أمام الملأ، ولا يُعرفون إلا بعد زمن حين تسبق بصماتهم وآثارهم وجودهم المادي. هذا ما ينطبق تماماً على المفكر السوداني الفاتح علي حسنين. إحدى أكثر الشخصيات تأثيرًا بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي لم ينس بدوره زيارة شيخه الفاتح خلال زيارته الأخيرة إلى السودان. ولربما أكثر النقاط لفتاً للنظر في العلاقة بين طيب أردوغان والمفكر السوداني، هي زيارة الأخير لأردوغان خلال فترة سجنه بإسطنبول في تسعينيات القرن الماضي، وقوله له: "مرحبًا بالرئيس التركي القادم".
وفي إطار زيارته الأخيرة إلى السودان، قرر الرئيس التركي زيارة شيخه وصديقه للاطمئنان على صحته وطلب الدعاء منه، وقد لاحظ سكان الحي الذي يقطنه حسنين تحركات غير طبيعية وأعلاما تركية كثيرة على أعمدة الإنارة، وصورة كبيرة للرئيسين السوداني والتركي على واجهة المنزل.
وبعدها سرت شائعات بأن أردوغان سيزور بيت صديقه القديم كما فعل في زيارته الأخيرة للسودان عندما كان رئيسا لوزراء بلاده. وعقب ذلك اصطفّ الناس أمام بيت الفاتح حسنين قبل وصول أردوغان، وظلوا في مواقعهم حتى مغادرته في انتظار تحيته والتقاط صور إلى جانبه.
وتناول الرئيس أردوغان العشاء في بيت الداعية السوداني برفقة آخرين دعاهم الفاتح حسنين على عجل. ولاحقا جلس الصديقان على انفراد وتحدثا حول آفاق تطوير العلاقات السودانية التركية.
تداولت بعض وسائل الإعلام التركية والعربية خبر وصور زيارة أردوغان للمفكر السوداني في منزله، وثارت تساؤلات عن حياة الأخير، وماهية العلاقة التي تربطه بأردوغان، فضلاً عن سببها.
وفقاً لتقرير نشره موقع الجزيرة نت، فإن الفاتح ﻋﻠﻲ ﺣﺴﻨﻴﻦ، طبيب وداعية سوداني وُلد عام 1946 في ولاية بالجنوب الشرقي السوداني، وﺗﺨﺮﺝ من ﻛﻠﻴﺔ ﺍﻟﻄﺐ ﺑﺠﺎﻣﻌﺔ ﺑﻠﻐﺮﺍﺩ، ﻭﺣﺼﻞ ﻋﻠﻰ ﺩﺑﻠﻮﻡ ﺍﻷﻣﺮﺍﺽ ﺍﻟﺒﺎﻃﻨﻴﺔ ﻣﻦ ﺟﺎﻣﻌﺔ ﻓﻴﻨﺎ ﺑﺎﻟﻨﻤﺴﺎ.
فيما يتعلق بالوظائف والمسؤوليات التي تولاها الفاتح، فقد لعب دوراً إسلامياً مهما في شرق أوروبا وعمل مستشارا للرئيس البوسني في تسعينيات القرن الماضي، وتولى رئاسة ﻣﺠﻠﺲ ﺍﻷﻣﻨﺎﺀ ﺑﺠﻤﻌﻴﺔ ﺍﻟﻤﻐﺎﺭﺑﺔ بالنمسا، وأسس ﺍﻟﻤﺠﻠﺲ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻟﺸﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ واﻟﻤﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ ﺑﺈﻗﻠﻴﻢ ﺑﻴﻬﺎﺝ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ، وترأس ﻭﻛﺎﻟﺔ ﺇﻏﺎﺛﺔ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺜﺎﻟﺚ.
وبعد دراسته الطب في بلغراد والنمسا، أقام الفاتح حسنين فترة في تركيا وهناك تعرف على الراحل علي عزت بيغوفيتش الذي تقلد لاحقا منصب رئيس البوسنة والهرسك، كما نسج الطبيب السوداني علاقات مع قادة العمل الخيري والدعوي في تركيا، وأسس ﻣﺪﺭﺳﺔ ﺍﻟﻐﺎﺯﻱ "ﻋﻠﻲ ﻋﺰﺕ ﺑﻚ" في إسطنبول.
وحول ماهية وسبب العلاقة بين أردوغان والحسنين، فقد زار الأخير أردوغان حين كان في السّجن قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء بسنوات، وقال له: "مرحبًا بالرئيس التركي القادم".
وفي ذلك يقول د. الفاتح: "الغازي رجب طيب أردوغان، وكلمة غازي تطلق على السلاطين العثمانيين العظام ممن كانوا من الفاتحين والحكام المؤثرين والمجاهدين. وعندما تولى رجب أردوغان رئاسة محلية إسطنبول الكبرى التي ميزانيتها تفوق الخمسة عشر مليار دولار في السنة نجح في ذلك نجاحًا تامًا، فتآمرت عليه قوى الشر اليهودي الماسوني العلماني، فزجوا به في السجن".
ويتابع قائلًا: "أضافوا إلى ذلك حرمانه من العمل السياسي عددًا من السنين، ولكن انقلب السحر على الساحر، وأصبح دخوله إلى السجن مبلورًا لشخصيته القيادية وزعامته للمجتمع التركي المسلم، فخرج من السجن وكوّن حزبًا سياسيًا جديدًا اكتسح به الانتخابات ووصل لزعامة الأمّة التركية وأسّس لاستمرارية الحكم الرشيد في تلك الجمهورية لعدد من السنين".
ويضيف: "أذكر أنّني زرته في سجنه قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء بسنوات، وقلت له مرحبًا بالرئيس التركي القادم، واستغرب لذلك، وقال لي أنا الآن مسجون ومحروم من العمل السياسي فكيف أكون رئيسًا لتركيا؟. وقد زرته قبل شهور بعد أن أصبح رئيسًا لتركيا وجلست معه لخمس ساعات بحضور البروفسور داود أوغلو وذكّرته بذلك الحديث".
تقول المصادر إن وﻛﺎﻟﺔ العالم الثالث التي أسهها الفاتح حسنين في النمسا أسهمت بشكل كبير في ﺇﻧﺸﺎﺀ ﺩﻭﻟﺔ ﺍﻟﺒﻮﺳﻨﺔ ﻭﺍﻟﻬﺮﺳﻚ، ﻭﺩﻋﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻹﺳﻼﻣﻲ ﻓﻲ ﺷﺮﻕ ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ وﺧﺎﺻﺔ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﻦ ﺃﻟﺒﺎﻧﻴﺎ ﻭﻛﻮﺳﻮﻓﻮ.
ومن نشاطه الدعوي طبعه لمعاني ﺍﻟﻘﺮﺁﻥ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ باللغات البوسنية والألبانية والبلغارية والتشيكية والرومانية، كما ﻋﻤﻞ ﻋﻠﻰ ﺗﺮﺟﻤﺔ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﺇﻟﻰ عدد من لغات ﺃﻭﺭﻭﺑﺎ ﺍﻟﺸﺮﻗﻴﺔ، ﻭﺃﺻﺪﺭ ﻣﺠﻠﺔ "ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﺓ" ﺍﻟﺘﻲ ﻋﻨﻴﺖ ﺑﺄﺧﺒﺎﺭ ﺍﻷﻗﻠﻴﺎﺕ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ هناك.
تصف بعض المصادر الدكتور الفاتح علي حسنين بأنه داعية وثائر ومن أهم القادة الذين دافعوا عن وجود المسلمين في شرق أوروبا.
وإلى جانب نشاطه السياسي والدعوي، لم يهمل الفاتح حسنين الجانب العلمي. ومن بين مؤلفاته "جسر على نهر الدرينا" و"الطريق إلى فوجا" و"لمعان البروق في سيرة مولانا أحمد زروق" و"مأساة المسلمين في بلغاريا" و"موسوعة الأسر المغاربية وأنسابها في السودان."
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!