د. مصطفى حامد أوغلو - خاص ترك برس
انتشر في السنين الأخيرة مفهوم السياحة العلاجية بشكل واسع، وأصبحت كثير من الحكومات والمشافي والشركات تهتم بهذا المفهوم الجديد، الذي أصبح جزءًا أساسيًا من واردات كثير من الدول.
اليوم نشهد تنافسًا شديدًا بين بعض الدول التي قطعت أشواطًا طويلةً في هذا المجال،من أجل اقتطاع أكبر نسبة ممكنة من هذا الاستثمار، حيث أن هناك أرقامًا بمئات المليارات من الدولارات ستصرف على السياحة العلاجية في المستقبل القريب.
وأكبر مثال على ذلك أن حجم هذه السياحة العلاجية تجاوز عشرة مليون سائحاً وبتكلفة زادت عن مئة مليار دولار سنويًا، ويكفي أن نشير هنا إلى أن هناك أكثر من مليون شخص أمريكي خرج في عام 2014 بهدف الحصول على العلاج خارج الحدود الأمريكية.
تعريف السياحة العلاجية
هي إحدى أنواع السياحة الهامة،التي تشمل السفر بهدف البحث عن العلاج الصحي في مستشفيات البلدان المتطورة بالخدمة الطبية، أو بهدف الاستجمام والاستشفاء بالمنتجعات الصحية، والاستفادة من مراكز العلاج الفيزيائي والمصادر الطبيعية كالينابيع والمياه الكبريتية والحمامات الملحية والطين المشع، وإعادة التأهيل للحصول على الرضى النفسي والجسدي وخاصة لكبار السن.
أي أنها البحث عن العلاج والاستشفاء والخدمة المفقودة خارج حدود البلاد.
هناك عدة أسباب تدفع المريض بالبحث عن الخدمة العلاجية خارج بلاده من أهمها:
أولاً الخدمة المفقودة في بلاده، وثانياً سرعة الحصول والوصول إلى هذه الخدمة، كما هو الحال مع مرضى القارة الأوروبية، وثالثاً الحصول على الخدمة بأقل التكاليف، ورابعاً الحصول على خدمة أفضل من الخدمة المتوفرة في ذلك البلد، يضاف إلى ذلك عدة عوامل ساعدت على تسهيل انتقال المريض إلى بلد آخر من أجل العلاج يأتي على رأسها سهولة الانتقال الجوي، والتسهيلات الممنوحة لتأشيرات الدخول من أجل العلاج، وتكفل الدول وشركات التأمين الصحي بدفع تكاليف العلاج بالخارج، بالإضافة إلى تطور الخدمة الفندقية، والدعم اللوجستي والمادي من قبل حكومات الدول التي تتنافس على تطوير السياحة العلاجية.
تركيا والسياحة العلاجية
رغم ما تملكه تركيا من كل المزايا والإيجابيات التي ذكرناها سابقاً والتي تؤهلها لكي تكون رائدة في هذا المجال، لكنها تأخرت باقتحام هذا المعترك الهام حتى السنين العشرة الأخيرة، ولكنها استطاعت خلال هذه السنين الماضية أن تقفز قفزات متسارعة، وبخطى ثابتة، نحو تبوّؤ مكانٍ متقدمٍ بين الدول المتصدرة في هذا المجال.
ترافق هذا مع التطورات الاقتصادية السريعة التي عاشتها تركيا مع التحولات الفكرية والعقلية نحو الانفتاح على الخارج والأهم من ذلك كله الإصلاحات القانونية والإنجازات والتطورات في القطاع الصحي التي تعتبر بمثابة المعجزة في القطاع الطبي من حيث عدد المشافي وخاصة المدن الطبية (الهدف اثنان وخمسون مدينة طبية) التي بدأت تركيا بها، وزيادة عدد كليات الطب، والتحسن الملموس في زيادة عدد الأطباء والكفاءات والمهارات، والتميز في مجالات خاصة وحساسة، من أهمها نقل الأعضاء، ومعالجة السرطان، والعمليات التجميلية، مما جعل تركيا تصبح اليوم الدولة الثالثة بعد أمريكا وألمانيا بالسياحة العلاجية من حيث العدد والواردات، والخامسة من حيث عدد السياحة العلاجية بعد تايلند والهند. حيث تتصدر القائمة من حيث العدد تايلند بمليونين ونصف سائح سنوياً، تليها أمريكا بثمانمئة ألف سائح سنوياً، وبعدها تركيا حيث لا توجد أرقام دقيقة لكن التقديرات تقول إنه تجاوز النصف مليون شخص، حيث تجاوز عدد المرضى القادمين بالعام الماضي لزراعة الشعر فقط ثلاث مئة ألف سائح.
لقد استطاعت تركيا خلال عشرين عاماً فقط، أن تنتقل من دولة يبحث مواطنوها وقادتها عن العلاج خارج تركيا، إلى دولة تستقبل مئات الآلاف من المرضى من أكثر من مئة وخمسين دولة، وفي مقدمتهم الدول الأوروبية وقاطنوها من الأتراك وغيرهم.
والأهم من ذلك كله أن تركيا وضعت هدفاً محدداً، وهو الوصول لمليوني مريض ينشد السياحة العلاجية بتركيا وتحقيق دخلٍ لتركيا يتجاوز العشرين مليار دولار في العام 2023.
فهل تستطيع تركيا تحقيق ذلك؟!
تركيا مؤهلة لهذا الدور لما تملكه من كل مزايا وإيجابيات السياحة العلاجية، فبالإضافة إلى كل ما ذكر سابقاً، فإن تركيا تمتلك موقعًا جغرافياً مميزاً، يتوسط كل الدول المستهدفة حيث أن مسافة ثلاثة ساعات في الطائرة تربط تركيا بعدد كبير من الدول في أهم القارات، الأوروبية والأفريقية والآسيوية.
كما أن الطبيعة الجغرافية والمناخية، وما تمتلكه تركيا من حمامات ومياه معدنية، وتطور الخدمة الطبية السريع، مع تحسن الخدمات الفندقية في هذه المنتجعات الصحية، جعلها تحظى بتقديم الخدمة العلاجية والاستشفائية على مدار العام لشريحة هامة من المرضى، وهذه الشريحة تسمى السياحة العلاجية للعمر الثالث، أي المتقاعدين والذين يملكون التأمين الصحي والقدرة المالية على المكوث لأسابيع طويلة في هذه المنتجعات الصحية.
الاهتمام الخاص بالقارة السمراء، وما تحظى به تركيا من قبول وثقة في تلك البلاد، إضافة لشبكة الخطوط الجوية التركية،التي تشمل غالبية هذه العواصم، والتواجد القديم للمراكز الطبية التركية هناك، بالإضافة لمشفى طيب أردوغان بسعة مئتي سرير في الصومال، والعلاقات التجارية والثقافية، يجعل تركيا مرشحة لأن تكون الجهة الأولى، إن لم نقل الوحيدة لمن يبحث عن الخدمة الطبية والسياحة العلاجية من هذه القارة، على المستوى الحكومي الرسمي أو على المستوى الشخصي الفردي.
قد يظن البعض أن السياحة العلاجية بتركيا، تقتصر على المرضى القادمين من الدول العربية، أو الدول النامية والمتأخرة في الخدمات الصحية، ومن يأتي إلى تركيا من أجل زراعة الشعر والعمليات التجميلية فقط، وهذا مخالف للواقع والأرقام. صحيح أن هذا جزءٌ هامٌّ من موضوع بحثنا، لكنها لا تشكل سوى جزءٍ بسيطٍ من السياحة العلاجية التركية، والشريحة الكبرى والأساسية هي التي تأتي إلى تركيا من خارج هذه الدول، وخاصة من يأتي من الدول الأوروبية وبالأخص الأتراك الذين يقيمون في هذه القارة.
التطور السريع وتميز عدد من المراكز الطبية التركية، خاصة في مجالات نقل الأعضاء، ومعالجة السرطان، وزراعة طفل الأنبوب، والعمليات الجراحية التجميلية، وسرعة الوصول لهذه الخدمة، وتكاليفها المنافسة، جعل كثير من المرضى وشركات تأمين الصحي الأوروبية تحول بوصلتها نحو تركيا.
الاهتمام الحكومي بشكل عام، ووزارة الصحة بشكل خاص، بموضوع السياحة العلاجية وجعله من أولويات السياسة التركية القادمة، يجعل تركيا المنافس الأكبر لتصدر القائمة في هذا المجال.
إضافة إلى كل ما ذكرناه لا بد لي من أن أشير إلى التواجد العربي الجديد في تركيا، وبدأ دخول الكفاءات الطبية العربية وخاصة السورية، في هذا المجال سيكسب السياحة العلاجية، وخاصة القادمة من الدول العربية زخماً جديداً وسيترك بصمةً إيجابيةً في المستقبل القريب على هذا المجال وفي كل مستوياته.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس