جمال الهواري - خاص ترك برس

وتحررت عفرين كما وعدت تركيا والرئيس أردوغان وأوفت بوعدها، عندما أعلن الرئيس بعبارات واضحة يوم الأحد الماضي أن الجيش التركي والجيش السوري الحر قد قاما بتحرير عفرين ودخول مركز المدينة ضمن عملية "غصن الزيتون" الذي تحول إلى سيف حاد يجتث بلا هوادة جذور الميليشيات الإرهابية.

تحررت عفرين بعد أن قام الجيش التركي والجيش السوري الحر بتقديم درس وافي وملهم للجميع بأن تحرير الأراضي والمدن والقرى ممكن ومستطاع بدون دكها بمختلف أنواع الأسلحة وإحراق الأخضر واليابس وهدم المنازل فوق رؤوس أهلها كما تفعل كل القوى الأخرى المتصارعة على الأراضي السورية.

تحررت عفرين بعد أن تعاملت القوات المسلحة التركية بمختلف أفرعها مع العملية العسكرية في عفرين بمشرط جراح ماهر قام باستئصال الورم الخبيث مع المحافظة على باقي الجسد سليماً معافى، فها هي عفرين ما تزال مبانيها قائمة وبأهلها عامرة ولم يتم تسويتها بالأرض ولاهدم منازلها كما حاولت الترويج لهذا الميليشيات الإرهابية والمتواطئين معها والداعمين لها، وباءت جميع محاولاتها بالفشل.

تحررت عفرين وأثبتت تركيا للجميع أن العالم أكبر من خمسة وأنه من غير المنطقي ولا المقبول أن تتم الأمور وتجري الأحداث كما يريدها أولئك الخمسة متجاهلين متطلبات وتطلعات الشعوب المقهورة والمتطلعة للحرية والتمتع بأبسط مقومات الحياة الإنسانية.

تحررت عفرين ووجهت تركيا رسالة واضحة وقاطعة للداخل والخارج في آن واحد أنه لا تهاون مع كل ما يهدد وحدة واستقرار وحدود تركيا، وسيتم التعامل بكل حزم وقوة وجدية مع تلك التهديدات بغض النظر عن من يطلق تلك التهديدات ومن يقف وراءه ويدعمه.

تحررت عفرين والقادم أعظم، لقد نجحت تركيا ومعها المخلصين من العرب وكرد المنطقة من نزع الإسفين التي سعت الدول الغربية لزرعه لتفتيت المنطقة وعزل الدولة التركية عن إخوانها العرب والأكراد وعمقها العربي والإسلامي، عبر كيان يدعي زوراً وبهتاناً أنه يمثل إخواننا الكرد ولكنه في الحقيقة تنظيم إرهابي مأجور وممول من دول أصبح يعرفها القاصي والداني بالإسم سائها وأرقها وأقض مضاجع حكامها أن ترى الدولة التركية تتقدم في شتى المجالات بمساهمة كافة أطياف الشعب التركي لافرق بين تركي وكردي وعربي في ظل قانون يساوي بين الجميع في ما لهم من حقوق وما عليهم من واجبات.

تحررت عفرين ليعرف الجميع أنه لا طائل من محاولة تطويق الحدود الجنوبية لتركيا بتنظيمات إرهابية لا تهمها لا حقوق الكرد ولا العرب كما تدعي، بل لتكون مخلب قط للقوى الإستعمارية التي ما تزال تحاول بشتى الطرق دق أسافين الفتنة والفرقة بين شعوب المنطقة وتصوير تركيا كقوة إحتلال لا تحرير وهو ما تنفيه تركيا على الدوام وعبر كافة منصاته الحكومية والإعلامية، وأثبتت الأحداث أن ما يحرك تركيا هو الحفاظ على حدودها وأمنها القومي ومساعدة شعوب المنطقة والتي أصم الشرق والغرب مسامعه عن مطالبها وأغلق في وجهها أبوابه، ففتحت تركيا لها الأبواب وأنصتت لمطالبها بكل إصغاء وعملت على تلبيتها قدر المستطاع في ظل وضع دولي معقد ومستنقع يحيط تركيا بسيل من المؤامرات التي لا تنتهي.

تحررت عفرين وأثبتت العملية الناجحة بكافة المقاييس العسكرية والجيوسياسية أن الجمهورية التركية وبكافة مؤسساتها تسير على الطريق الصحيح في تنقية صفوفها من أتباع وعملاء تنظيم "غولن" الإرهابي ومن يقفون وراءه ويبذلون جل جهدهم وأموالهم لإيقاف المارد التركي الذي ينطلق بسرعة الصاروخ لتحتل تركيا المكانة التي تستحقها وتليق بها بين مصاف الدول المتقدمة وهو ما لا يعجب الغرب وحلفاءه وأذنابه في منطقة الشرق الأوسط.

تحررت عفرين لتقدم تركيا الدليل على أن تحركاتها وقراراتها وعملياتها العسكرية تهدف لحماية حدودها وأمنها مما يؤهلها لتقديم المأمول منها تجاه شعوب المنطقة التي باتت تنظر لتركيا لتمد لها يد المساعدة كلما ألمت بها كارثة، ولم تتأخر تركيا يوماً عن فعل هذا دون أي تمييز عرقي أو طائفي عبر مؤسساتها الطبية والإغاثية وجمعياتها الخيرية.

تحررت عفرين ولكن تبقى هناك عدة اسئلة مشروعة يجب طرحها والبحث عن إجابات لها وكشفها للشعب التركي وشعوب المنطقة لتدرك أن المؤامرة لم تكن تستهدف تركيا وحدها بل مؤامرة واسعة النطاق متعددة الأطراف تهدف لتفتيت المنطقة وزرع الخلافات والإنشقاقات بين دولها وشعوبها، عن كميات الأسلحة النوعية والثقيلة التي تركتها عناصر تنظيم "البي كي كي" الإرهابي وامتدادته في سوريا ورائها وعن مصادرها وكيف وصلت إلى هناك، وعن التجهيزات الكثيرة من ملاجيء وأنفاق ودشم ذات تقنية هندسة متقدمة مما يؤكد ضلوع أطراف دولية في هذا العمل وتمويله، وهل ستستمر العمليات العسكرية للقوات المسلحة التركية لتطهير باقي المنطقة من الميليشيات الإرهابية والتي لها امتدادات في سوريا وشمال العراق، عموماً سننتظر ونرى ما ستسفر عنه الفترة القادمة.

وختامًا، ما أشبه الليلة بالبارحة، أعلن الرئيس أردوغان عن تحرير عفرين بالتزامن مع الذكرى السنوية لمعركة "جناق قلعة" عندما هزم الجيش العثماني الجيوش الغربية المتحالفة من إنجلترا وفرنسا التي كانت تحاول الإستيلاء على عاصمة الخلافة "اسطنبول"، يومها تصدى جيش الخلافة والذي كان يضم بين صفوفه أتراك وعرب وأكراد ومن كافة شعوب المنطقة ودولة الخلافة قاتلوا جنباً إلى جنب وأمتزجت دماء الشهداء بعضها ببعض مبرهنة على أن مصير شعوب المنطقة واحد وعدوها واحد، قد تختلف أساليبه وأدواته وتتعدد أقنعته ولكن يبقى واضحاً ظاهراً لكل ذي عقل وبصيرة.

عن الكاتب

جمال الهواري

صحفي و ناشط سياسي مصري، عضو منظمة العفو الدولية.


هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!

مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس