محرّم صاري كايا – صحيفة خبر ترك – ترجمة وتحرير ارك برس
بينما كنت أُحدّث نفسي بأن ليت لوزير تركي أن يشارك في هذه المسيرة التّضامنية ضد الإرهاب في العاصمة الفرنسية باريس، وصلني خبر إعلان رئيس الوزراء "أحمد داود أوغلو" عزمه على المشاركة في هذه المسيرة المُندّدة بالإرهاب والإرهابيّين.
فقد قرّر رئيس الوزراء داود أوغلو السّفر إلى العاصمة الفرنسية اليوم، بعد أن أمضى يومين في بيته بسبب وعكةٍ صحية أُصيب بها، وذلك من أجل المشاركة في المسيرة والتّضامن مع الشّعب الفرنسي عقب الاعتداء على مقرّ مجلّة "تشارلي إيبدوا" وأزمة الرّهائن التي تلت تلك الحادثة البشعة.
وإنّ قرار استجابة داود أوغلو لدعوة الحكومة الفرنسية بالإنضمام إلى المسيرة، سوف تعود بنتائج إيجابية سواء على الأتراك الذين يعيشون ضمن الأراضي التركية أو الذين يعيشون في شتّى أنحاء العالم وبالأخص أولئك الذين يعيشون ضمن حدود القارة الأوروبية.
وتأتي أهمية قرار داود أوغلو بالنسبة للأتراك، كون أنّ دول القارة الأوروبية سوف تتّخذ حزمة تدابير أمنية مُشدّدة ووقائية تستمرّ لمدّة سنتين على الأقل عقب الاعتداءات الأخيرة التي حصلت في العاصمة الفرنسية. لا سيما أنّ دول الاتحاد الأوروبي لم تشهد منذ العام 2007 هجماتٍ إرهابية حقيقيّة من شأنها أن تهزّ أركان هذه القارّة.
وناهيك عن المواطنين الأجانب الذين لا يحملون الجنسية الأوروبية، فإنّ حكومات الدّول الأوروبية سوف تتّخذ إجراءاتٍ صارمة بحقّ المواطنين الأوروبيّين الذين يشتبه في إنتماءهم إلى جماعات قد تُشكّل خطراً بالنسبة للقارة الأوروبية بشكل عام. فبعد هذه الحادثة سوف يكون كلّ مسلمٍ تحت مراقبة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية. وكنتيجةٍ طبيعية لهذا الوضع، فإنّه سيصعب على البعض من المسلمين التّكيّف مع هذا الوضع الجديد.
وبما لا يخفى لأحد، فإنّنا سوف نشاهد رجال الأمن والشّرطة الأوروبية بعد اليوم في كلّ مكانٍ في القارة الأوروبية. سوف نشاهدهم في مراكز التّسوّق وفي المطاعم والصّالات ومراكز السياحة وفي المرافق العامّة والمطارات وفي كلّ مكانٍ يخطر على بالنا.
وربّما نشاهد عناصر الشّرطة والجيش يتجوّلون في أزقّة العواصم الأوروبية الكبرى، كما اعتدنا أن نرى ذلك في عواصم دول الشّرق الأوسط. فلا غرابة في هذا أبداً خاصّةً بعد الأحداث الدّموية التي جرت في العاصمة الفرنسية باريس.
وإنّني أسرد هذه التّوقّعات بناءً على ما تمّ إتّخاذه من تدابير أمنية عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001، وما تمّ إتّخاذه من تدابير إحترازية عقب الاعتداء على وسائل النّقا ( الميترو) في إنكلترا وفي مدريد وغيرها من المدن الأوروبية.
مع العلم أنّه قبل سبعة أو ثمانية أعوام لم يكن المتشدّدين اليمينيّين في القارة الأوروبية يتمتّعون بكلّ هذه القوّة والشّعبية الكبيرة. ولا ننسى انّ هناك تصعيد شديد في القارة الأوروبية ضدّ الإسلام والمسلمين من قِبل هؤلاء اليمينيّين المتطرّفين.
ومع تراكم كلّ هذه المشاحنات وتعاظم قوّة اليمينيّين المتطرّفين في القارة الأوروبية، فإنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى الخطوات التي من شأنها أن تهدّء وتيرة هذا التّطرّف المتصاعد في هذه القارّة. ومن هنا تأتي أهميّة مشاركة رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو في هذه المسيرة التّضامنية اليوم.
والحقيقة أنّه يجب علينا أنّ نفعّل ونسعى على تقوية حوار الحضارات التي بدأت بين الجمهورية التركية وإسبانيا في العام 2005، بدل تنظيم مثل هذه المسيرات التّضامنية. عندها نستطيع أن نقطف ثمار الجهود المبذولة في هذا الصّدد بشكلٍ أفضل.
ومن خلال عدّة لقاءاتٍ أجريتها مع عددٍ من المقرّبين من رئيس الوزراء، لاحظت أنّ الحكومة التركية عازمة على المضي في طريق تعزيز الحوار بين الحضارات لأنّهم أفصحوا لي بأنّ العديد من القادة الأوروبيّين يفكّرون بنفس الأسلوب ويعتقدون أنّ الحلّ الوحيد للخروج من كلّ هذه المآزق هو التّحاور بين الحضارات.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس