أحمد الهواس - خاص ترك برس
كان برنامج الرئيس الأمريكي وودرو ويلسون "سلام بدون نصر" يتلخص بشيطنة ألمانيا بغية تهيئة الأجواء لدخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولى، ولأجل هذا الأمر فقد تمّ تأسيس لجنة "كريل" بعد وصوله للسلطة 1916 وقد كانت مهمة هذه اللجنة الدعاية الحكومية للحرب والتي حوّلت المواطنين المسالمين في ستة أشهر إلى مواطنين تتملكهم الهستريا والتعطش للحرب والرغبة في تدمير كل ما هو ألماني، والاستعداد لإنقاذ العالم من الوحش الذي سيبتلعهم!
تجربة دأبت الولايات المتحدة على استخدامها، وقد كررتها مراراً وإن كانت بأساليب مختلفة ووسائل جديدة، حيث جعلت الإعلام سبيلاً للسيطرة على العقول، وتوجيه الرأي العام، وتخويف الأمريكيين من الأعداء المفترضين كما فعلت مع العراق، حيث ضخّمت القوة العراقية، وخاضت ضده حربين مدمرتين انتهت بغزوه وتفتيت الدولة الوطنية العراقية وصناعة التقسيم المجتمعي، وكل ذلك تمّ بفبركات إعلامية، وتخويف المجتمع الأمريكي من الخطر العراقي، ومن وحشية الرئيس العراقي الراحل صدام حسين!
هذا الجانب - أي الإعلام - كان وما زال يُستخدم وفقًا للسياسة الأمريكية، فهي توجه من خلاله الرأي العام وفقًا لمصالحها، تشيطن من تريد، وترعب الشعب الأمريكي بمن تريد وتبتز حلفاءها وتصنع أعداءها، وتخفي كثيرًا من استراتيجياتها وأهدافها!
وهذا ما جرى ويجري مع إيران "الخمينية" حيث إننا أمام أعداء "مفترضين" منذ أربعة عقود، وكل معاركهم "إعلامية" وبدل أن تقع حرب بين واشنطن طهران أو ضربة عسكرية إسرائيلية للبرنامج النووي الإيراني على غرار ما فعلت ضد مفاعل تموز العراقي 1981، فقد رأينا العكس، حيث دعمت أمريكا إيران بالحرب الطويلة مع العراق بصفقة سلاح وقطع غيار عبر إسرائيل أو ما بات يُعرف بفضيحة إيران غيت، بل وصل الأمر بالأمريكا أن غزت بلدين معادين لإيران وأسقطت أهم عدوين لها نظام طالبان ونظام صدام حسين وأنقذت إيران من فكي كماشة كانا يحيطان بها!
إنّ الحديث عن صراع أمريكي إيراني أو إسرائيلي إيراني أثبتت الأحداث أنه وهم يسيطر على أذهان الكثيرين نتيجة عمليات التضليل الإعلامي التي جرت وما زالت عبر عقود، فثمة تحالف بين أمريكا وإيران وإسرائيل، تحالف قد يبدو مصلحي كما أطلق عليه تريتا بارسي، أو هو أعمق من ذلك، تحالف له عدّة أبعاد ومنها البعد العقدي والعدو المشترك!
لقد فسحت أمريكا المجال لإيران لكي تكون أداة هدم في المنطقة العربية، فتوسعت على عينيها وانتشرت في أربعة بلاد عربية، فقد هدمت أمريكا السور الحامي للعرب بإسقاط نظام صدام حسين، ومن ثم قدّمت العراق على طبق من ذهب لإيران، وبعد سيطرة الأحزاب الشيعية التي تربّت في إيران وقاتلت مع قوات الغزو الأمريكي انتقلت تلك القوة لتقاتل ضد الثورة السورية حتى وصل عدد الفصائل الطائفية التي تقاتل مع النظام القاتل في سورية لستة وستين فصيلاً غضت عنها أمريكا الطرف في حين شكلّت تحالفًا هو الأكبر في التاريخ الحديث لحرب ما يسمى الإرهاب، حيث دمرت مدن السُنة في العراق وسورية، ومهدت الطريق لتقدم الحشد الطائفي - بما فيها الحرس الثوري وفيلق القدس - في العراق نحو مدن السُنة، وكذلك فعلت في سورية حيث مهدت الطريق لجيش النظام وحلفه الطائفي للتقدم لديرالزور، وسلمت الرقة ومناطق واسعة من المنطقة الشرقية والجزيرة لعصابة البككا الإرهابي من خلال فرعة السوري المعروف باسم البيدا والمتستر باسم قوات سورية الديمقراطية!
إن ما يحصل في سورية والعراق ولبنان واليمن، وسيطرة إيران على تلك الدول عبر أذرعها الطائفية يطرح سؤالين: كيف تتوسع إيران بتلك المنطقة وهي الأهم في العالم وهي منطقة نفوذ أمريكي؟ وإذا كانت إيران تعد في أدبياتها أن إسرائيل كيان غاصب لا بدّ من إزالته فكيف تمّ لها ذلك التوسع، وما الموقف الإسرائيلي من هذا الخطر المحدق بها، وقد باتت إيران على حدودها في سورية ولبنان؟
لقد أثبتت الثورات العربية أنّ الشعوب العربية دخلت في مواجهة حقيقية مع أمريكا، وقد انزوت أمريكا خلف حلفائها سواء كانت أنظمة مجرمة أعادت انتاجها أو خلف قوة طائفية ممثلة بإيران أو قوة كبرى كروسيا.
طرحٌ قد يبدو غريبًا على المتلقي، فكيف اجتمعت الأضداد؟ لقد جاءت الثورات العربية لتنهي بناء رسمياً عربياً وآخر إقليمياً يؤمّن مصالحها ويحفظ أمن إسرائيل، وهذا يعني تغييراً لن يقف عند حافة العالم العربي بل ربما سينهي البناء الدولي الذي تسيطر عليه أمريكا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، والذي تقوده فعلياً كدولة عظمى وحيدة تتحكم بالقرار العالمي منذ انهيار المعسكر الشيوعي!
لقد أماطت الثورة السورية اللثام ليس عن الدور الأمريكي في دعم الأنظمة الاستبدادية فحسب، بل في دعم الأقليات، وخوض صراع واضح ضد الأكثرية، والتغطية على جرائم النظام وحلفه الطائفي، وهي الآن تعمل على تثبيت الخراب الذي حل بسورية وعلى رأسها التغيير الديمغرافي، حيث تمّت عمليات التهجير القسري على عين الأمم المتحدة، وتمثل بنزع السُنة من حواف دمشق وحدود لبنان، فضلا عن التهجير الذي طال الملايين من حمص وحلب والرقة وديرالزور وأماكن أخرى كي تتمكن الأقليات من السيطرة على سورية وكل ذلك جاء بالدعم الإيراني ومن ثم الروسي، ولعل الضربة الأخيرة التي نفّذها ترامب قد أوضحت السياسة الأمريكية على حقيقتها في سورية: أن الضربة ليست لإسقاط النظام، ولا المساس بحلفائه، وإنما لمنعه من انتاج السلاح الكيماوي، والطلب من روسيا لجم النظام!
ولكي تتم التغطية على جريمة إفراغ الغوطة كانت تلك الضربة، وما تبعها من غارات إسرائيلية قيل إنها على مواقع إيرانية داخل سورية يستشف منها تحويل وجهة الرأي العام عما يحصل في سورية، وتمييع الثورة السورية لصالح نزاع مفترض بين إيران وإسرائيل أثبتت الأيام أنّه لخداع الرأي العام بما فيه الأمريكي والإسرائيلي، وهذه قاعدة قديمة وضعها "والتر ليبمان" منذ عقود وهو صاحب مفهوم الحرب الباردة تتمثل في أنّ ثمة طبقةً متخصصة من المسؤولين يُتاح لهم فهم وإدراك الأمور، وليس العامة!
ومن يراجع الصراع الإعلامي بين من ذكرنا يجد حقيقة الأمر كما قال شارون في مذكراته: نحن من ساهم بصناعة حزب الله لأن إسلامًا شيعيا هو الأكثر أمنًا لإسرائيل!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس