أوكتاي يلماز - أخبار تركيا
لا شك ان الهجوم على مجلة شارلي ايبدو الفرنسية الساخرة و قتل صحفييها و رساميها حادث ارهابي مدان. ولكن ما هو السبيل الامثل للرد على هذا الهجوم الارهابي الذي قام بها بعض المواطنين الفرنسين المسلمين؟
بالغ البعض في تشبيه هذا الهجوم باحداث الحادي عشر من سبتمبر التي تعرضت لها الولايات المتحدة عام 2001، و راح ضحياتها مئات الاشخاص. ردت الولايات المتحدة على تلك الاحداث بعنف اشد، راح ضحيته مئات الآلاف من المدنيين المسلمين. كما ادى احتلال افغانستان و العراق و القصف المستمر على اليمن الى تدمير وتخريب هذه البلدان و تنامي جماعات العنف فيها.
ومع كل هذا القتل و التخريب، فشلت الولايات المتحدة في استئصال تنظيم القاعدة و اخوتها، بل زاد قوة هذا التنظيم عما كان عليها قبل الحرب الامريكية عليه. و ها هو الجناح اليمني للتنظيم نفسه ( ان صحت الاخبار) تعلن مسؤوليتها عن حادث باريس.
مكافحة الارهاب بارهاب اكبر منه أو بحلول امنية صرفة دون اللجوء الى اسباب هذا الارهاب ودوافعه و البحث عن حلول متعددة الابعاد لن تؤدي الى نتائج ايجابية.
من اهم اسباب العنف و الارهاب في منطقة الشرق الاوسط هو هيمنة الانظمة الاستبدادية على السلطة و قمعها للحريات و حقوق الانسان، الامر الذي يدفع الشباب في هذه البلدان الى التشدد و العنف. و في بعض الاحيان ربما يصبح العنف سبيل وحيدا للتعبير عن الراي. طبعا لم اقل ذلك لتبرير العنف و الارهاب، بل أذكرها من باب إلقاء الضوء على بعض اسبابه.
كما ان دعم دول الغرب هذه الانظمة الاستبدادية و غض نظرها عن ممارستها القمعية تؤدي الى تنامي شعور الكراهية لدى شعوب هذه المنطقة تجاه تلك الدول. كذلك الدعم الغربي اللا محدود لاسرائل من احدى اسباب كراهية شعوب المنطقة للولايات المتحدة و الغرب بشكل عام. خلاصة القول ان غياب العدل و الشعور بالظلم هو من اهم اسباب تنامي مشاعر الكراهية و و العنف.
كذلك غياب ثقافة ” المقاومة السلمية” عامل مهم في تنمية ” ثقافة العنف”. لذا يجب نشر هذه الثقافة من جديد، وهي سائدة في تركيا. المتدينون في هذا البلد رغم جميع الممارسات الظالمة وخنق حريات دينية في فترات سابقة لم يخرجوا من نهج المقاومة السلمية.
و بالعودة الى الرد الانسب على هجمات باريس و على الارهاب بشكل عام، ارى ان الرسائل التي حرص القادة الفرنسيين على بعثها بخصوص لزوم التفريق بين الارهاب وبين الاسلام و المسلمين ايجابي جدا. جدير بالتذكير ان هؤلاء الارهابيون الذين قاموا بهجمات باريس مواطنون فرنسيون ولدوا و نشؤوا فيها، الاسلام و المسلمون ليسوا مسؤولين عن أعمالهم.
ولا يصح مطالبة المسلمين بالاعتذار عما قام به بعض من ينتسب الى دينهم، مثلما لا يصح مطالبة جميع المسحييين بالاعتذار عما تقوم بها بعض الدول الغربية من اعمال القتل في بلاد المسلمين.
المسلمون لم يفوّضوا هذه الجماعة المتطرفة للقيام بمثل هذه الاعمال. بل معظم المسلمين يختلفون مع هؤلاء الاشخاص و الجماعات التي تتبنى العنف باسم الجهاد. ولا الانظمة الاستبدادية، و لا هذه الجماعات المتشددة تمثل ارادة الشعوب المسلمة.
كما يتبغي ان لا تؤدي هذا الحادثة الى تشدد أكثر في الغرب تجاه الاسلام و المسلمين، ويجب مواجهة ظاهرة الإسلاموفوبيا المتنامية في الفترة الاخيرة في الغرب بشكل العام.
كما ان العالم الاسلامي مطالب بمراجعة نفسه من بعض القضايا، كذلك الغرب مطالب بمراجعة نفسه و موقفه من قضايا المسلمين، وهي مواقف تتميز بالازدواجية مثل قضية الحريات مثلا، كيف يسمح بإهانة المقدسات الاسلامية بزعم حرية الراي، بينما يحظر حتى التشكيك بما يسمى بالهلوكوست اليهودي. فهل المقدسات الاسلامية أقل اهمية من مقدسات الاخرين !
على الحكومات الغربية تغليب لغة العقل و الحكمة على لغة الإثارة و الانتقام، كما يجب فتح قنوات الحوار مع مواطنينها و المقيمين المسلمين على اراضيها و الاطلاع على مشكلاتهم و السعي الى ايجاد حلول لها.
تركيا بوصفها الرابط بين الشرق و الغرب وبين الحضارات و الثقافات لديها الكثير مما يمكن تقديمه لخدمة إحلال السلم العالمي..
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس