سهيل المصطفى - خاص ترك برس
في مطلع القرن الحادي والعشرين، وإبان تسليم سورية لبشار الأسد، وفورة المنتديات السياسية، وهامش حرية التعبير النادر الذي منحه الوريث بشار للإعلام الخاص، شغلت صحيفة الدومري الشارع السوري بعناوينها ومواضيعها الانتحارية فمن الطبيب السوري الذي ترك مهنته ليعمل بائع خضروات وفواكه في سوق الهال لأن دخله محدود، للاستطلاع الشهير الذي أظهر رغبة غالبية السوريين بالهجرة من الوطن لأسباب اقتصادية وسياسية، للكاريكاتير الشهير للنظام العسكري الأمني القمعي، والذي تسبب بتحطيم أصابع الرسام السوري العالمي ”علي فرزات” وغيرها الكثير من العناوين المجنونة في ظل حكم عسكري وقبضة أمنية طائفية.
لتأتي جارتي ”أم علي” في عام 2011 لتختصر المشهد كاملاً حين سألتها ساخراً:
"شو يا أم علي؟
هاي تونس وليبيا ومصر ثاروا، ليش نحنا ساكتين؟
فأجابتني مع ضحكة لئيمة وهي تمجّ من لفافة الحمراء الطويلة بشراهة إيييه طول بالك!
هلق عم نتفرج، وبس يخلصوا هدول، حنبلش نحنا وحنصير فرجة لكل العالم!".
شخصياً كنت أنتظر هذه الإجابة، وربما سأصاب بالذهول لو فاجأتني بغيرها!!
لم تمر حادثة اصطدام ”إبراهيم حديد” مع نظام البعث واستبداد الضباط الطائفيين مرور الكرام، ولم تطوِ الذاكرة حادثة اقتحام المدرعات لصحن الجامع الأموي آنذاك، وحفرت أحداث حماة في مطلع الثمانينيات ندوباً مؤلمة في الجسد السوري، وكان لها ارتدادات دموية في ريف إدلب و حلب ودمشق وحمص و ديرالزور و الرقة وسجن تدمر الشهير!!
ولم ينس السوريون لبوات ”رفعت الأسد” الشبيبيات المظليات اللاتي انتشرن في ساحات دمشق كالجراد في ثمانينيات القرن الماضي، وتهجمهن على النساء وانتزاعهن للحجاب وإجبارهن على السفور، تحت مرأى وحماية نظام البعث الأقلوي!
ولم يكن الوعي السني السوري على مدى أربعين عاماً غافلاً عن تعيين أساتذة من طوائف مختلفة (غير سنية) و(أحياناً) غير مسلمة لتدريس مادة التربية الإسلامية، ليترك هذا الإجراء ندوباً أكثر عمقاً وإيلاماً في جسد ووعي غالبية السوريين!
وكيف لي أن أنسى في المرحلة الثانوية مطلع التسعينيات إحدى حصص التربية الإسلامية، التي تحولت لشرح فوائد الخمر بإسلوب لم يخلُ من تعمد الاستفزاز، ومحاولة كشف المعترضين للإيقاع بهم بحجة التشدد!!
ودندنة مدرس التربية الإسلامية والذي ينتمي لإحدى الأقليات في سورية، بأغنية صباح فخري:
"هات كاس الراح واسقني الأقداح!!".
في ظلّ عملية الهدم الممنهج لأخلاقيات المجتمع، غفلنا عن التأثيرات التي ستظهر لنا لاحقاً، ولم ننتبه لها إلا بعد اندلاع الثورة السورية أوائل عام 2011!
قبل الثورة كُنّا نعرف حقيقة النصيرية والروافض جيداً وكُنّا مصيبين في حكمنا عليهم.
ولكن ما غاب عنا حقيقة (غالبية) المحسوبين على (السنة)!!
واتضح أنهم لا يختلفون عن النظام النصيري وحلفه الطائفي، قلة دين وأخلاق منحطة وتبعية دنيوية ورياء مقرف!!
وإن غابت التقوى فالنصر للأقوى، أمة كغثاء السيل!!
فمنهم من خرج ينادي بالحرية وهو كاذب!
ومنهم من خرج ينادي بنصرة الدين وهو مرائي!
فأوتينا من ظهورنا وتوجر بنا، وطفت على السطح عصبيات فصائلية ومشاريع ضيقة وسادت القاعدة المقيتة الميكيافيلية:
(الغاية تبرر الوسيلة)
قاعدة المجرمين و قُطاع الطرق، وكان الثمن أن دفع السنة الثمن غاليا.
كل من يظن أنه ستقوم قائمة للمتاجرين بالثورة والدين "كفصائل الدولار والجماعات المنسوبة للإسلام أو كداعش" فهو مخطيء، والذي سيحدث والله أعلم، أنهم سيُستبدلون بقوم يحبون الله ويحبهم صادقين تُقاة، وريثما يحدث هذا سيتجرع السنة كؤوس الذل والهوان نتيجة لأنانية من سبقوا وأخطائهم وانحرافهم.
هكذا ذَبُل الياسمين، وعلينا أن ننتظر ربيعاً آخر قد يطول انتظاره ولله الأمر من قبل ومن بعد!!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس