خلود عبد الله الخميس - الانباء
أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية التركية عن فوز الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان بما يزيد على نصف الأصوات في الجولة الأولى بالرئاسة، وفوز حزبه العدالة والتنمية أيضا بأغلبية.
ولن أدخل في تنظير سياسي أظن القراء صاروا يستطيعون متابعته في الوسائل المختلفة للنشر الإلكتروني، المتاح للجميع، ولكن سأتناول بناء على نظريات السياسة المقارنة، الأحداث التي «سبقت وصاحبت وتلت» فترتين رئيسيتين للحكم في تركيا، الأولى: السلطان عبدالحميد، والثانية: رجب طيب أردوغان.
في مذكرات تحسين باشا، رئيس دائرة الكتابة في قصر يلدز لخمسة عشر عاما، لم يترك صغيرة وكبيرة عن السلطان عبدالحميد إلا وفصل فيها، استفدت جدا من قراءتها، ومنها سأعرض بعض المعلومات هنا ولتفصيل أكبر أقترح الرجوع للكتاب وهو مترجم للعربية.
في عهد «عبدالحميد» لعب الغرب وتحديدا بريطانيا وفرنسا وروسيا والولاة الطماعين، بقيادة الكنيسة بالطبع فمهما زعموا ان الصراع ليس دينيا هو كذلك، على زعزعة أمن الأراضي التي تحت قيادة الدولة العثمانية، الأمن الغذائي بنشر الجوع المفتعل عبر إغراق أو حرق المحاصيل بفعل مجهول، والصحي بنشر الأمراض والفيروسات المميتة، والاجتماعي بنشر الخوف عبر دعم العصابات والأعمال التخريبية، والنفسي ببث الشائعات عن هروب ومرض وموت وضعف السلطان، وخلخلة أساسات قصر يلدز بقصص «الحرملك» وشراء الجواري لاداء ادوار الجاسوسات واستمالة رجال الدولة، وتفاصيل سيرى من يتابع اليوم ما يحدث في تركيا في 2018 مع اردوغان انها شبيهة تماما مع فارق تحديث الاساليب زيادة الخونة وتعاون ذوي القربى من بعض ايدي العرب غير المتفقة مع توجهات «الطيب» في السياسات الخارجية ومتأسلمي الطابور الخامس في الداخل ايضا.
الفارق بين الحكمين ـ عبدالحميد وأردوغان ـ ان منحنى النهضة كان في القرن التاسع عشر يتجه لأسفل والدولة العثمانية في أسوأ حقبة لها، بينما في القرن الـ 21 ومنذ تسلم حزب العدالة والتنمية سدة إدارة الدولة التركية ومنحنى النهضة في صعود، وبلغ قمته بسداد كامل الدين التركي الخارجي للبنك الدولي، بل وأصبحت تركيا تقرض الدول.
المعطيات التي اعتمدت عليها في منحنى النهضة هي التي تحدث عنها مالك بن نبي في نظرياته، النهضة التي تحقق عدالة اجتماعية والرفاهية المعيشية وارتفاع دخل الفرد وانخفاض نسب البطالة ومعدل الجريمة، والاستقرار الاسري وكل ما من شأنه تحقيق الحياة المتزنة للمواطن.
وبعرض عاجل وليس قراءة تفصيلية، فليس طبيعيا وبلا ترتيب، كما حدث في عهد عبدالحميد، نشوب حربين، (العراق وسورية) عند الحدود التركية أثناء حكم اردوغان، فقد شاهدنا وقرأنا التاريخ جيدا كيف يرتبون للحروب بيننا، الامر الذي وضع اردوغان في وجه مدفع اقصى البراغماتية لحماية بلاده من التفكك القومي والعرقي والسياسي، وقد كان تأسيسه مع عبدالله غول وآخرون لحزب العدالة والتنمية نهجا براغماتيا معتدلا ان صح التعبير، بتبني المحافظة بدلا من مصطلح «الدين» الذي تمسك به نجم الدين اربكان كشعار فأدى الى هزائم متتالية له ولاحزابه بسبب علمانية الدستور وسيطرة المؤسسة العسكرية وموالاة المحكمة الدستورية لها، لا ننسى انه عندما اعلنت الجمهورية ووقف الشعب خلف رائدها اتاتورك، لم تظن الاغلبية انه سينتقل من حكم وراثي لعائلة «آل عثمان» الى حكم وراثي لنخبة، فقد نشأت طبقة «المتفرنجين» الذين انسلخوا عن القيم الدينية للدولة العثمانية بعد إعلان الغائها والاحتفال بعلمانية تركيا والدستور، وبدأ مسير الشعب التركي باتجاه العودة للقيم الاسلامية ولكنه لم يجد من يقوده اليها طبقا للدستور.
كانت البراغماتية هي الذكاء السياسي الذي اوصل حزب العدالة والتنمية للحكم، ومن ثم اردوغان للرئاسة، وتم تغيير الدستور الذي تسبب في الظلم الاجتماعي في تركيا من النخب المختزلة في طبقة تتبنى النهج الاوروبي وهم قلة، والفقر الذي حكم به على الاغلبية على اعتبارها مواطنة عبء لعدم انسجامها مع البرنيطة والبدلة وتمسكها بالطربوش والملابس المحلية المعبرة عن المنشأ، ليس بأمر سهل ان يعيش ثلاثة ارباع الشعب التركي تحت قهر العزلة عن دينه بقوة القانون، وان يرى التنكيل بالاعدام لمن اعاد الاذان باللغة العربية، والسجن لمن يستخدم لفظ «اسلام» ضمن برنامجه الانتخابي، فكانت الهبة التي قام بها منذ 2002 للوقوف مع العدالة والتنمية هي نتاج عقود من الانتظار لقيادة يجتمع تحت رايتها.
الجمهورية التركية الحديثة هي مشروع القرن الذي يتبناه الرئيس رجب طيب اردوغان وحزب العدالة والتنمية، وما النظام الرئاسي للحكم في تركيا إلا بداية ورأس جبل التغيير القادم، والنهضة التي ستكسر حاجز المنحنى في 2023، وعندئذ حق علينا ان نهنئ الشعب التركي على درجة وعيه التي لم يبلغها شعب في ذات الظروف ونفس الضغوط وبتضحياته!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس