غولاي الأسعد - خاص ترك برس
أول أمس جرت الانتخابات التشريعية والرئاسية معا في تركيا وبمشاركة واسعة اقتربت من تسعين بالمئة من الذين يحق لهم التصويت سبقتها خلال المدة الماضية حملات انتخابية راقية وبتنافس شريف وراقي جدا تمحورت وعودهم على خدمة الأمة التركية دون تفرقة مع تأكيدهم على تقديمهم الافضل في حال فوزهم رافقت عمليات الدعاية والتصويت الانضباط التام وروعة التنظيم والشفافية وأظهار الاخلاص والمواطنة الصالحة وتكميل الادوار والتعاون بين المنتخَب والناخب ومسؤول الصندوق ومراقب الكيان في عملية اشبه بخلية نحل نشطة.
لم تكن تلك الانتخابات إلا عرسا وطنيا بشهادة كل الأطراف والأحزاب والكيانات ووسائل الإعلام المختلفة المحلية والعالمية أو مراقبين أمميين بلغ عددهم الأربعمئة وخمسين مراقبا فلم ترافقها التشنجات الفارغة ولا السعي إلى القيام بالتزوير وما يتبعها من الفضائح والاتهامات فالكل يسعى إلى إبراز الوجه الحضاري للأمة ولتركيا، ولم ترافقها خلافات ونزاعات وتوجسات من الإخلال بالحقوق والمستحقات والنتائج فالكل مطمئن حول النتيجة وراضٍ عنها مقدما ومطمئن لذلك.
في الخامسة مساء تم غلق المراكز الانتخابية، ولمدة خمس وأربعين دقيقة بعد انتهاء التصويت بدأت شاشات التلفاز التركية والعربية والعالمية تنقل على الفور نتائج فرز الأصوات على الملأ بالرغم من استخدام وسائل تقليدية في التصويت والعد والفرز والمراقبة والإعلان عن النتائج... مع أن الاعباء كبيرة... عدد الناخبين 56 مليون ناخب، وعدد الولايات 81 ولاية وعدد الصناديق 180 ألف صندوق، وعدد أعضاء البرلمان 600 نائب. هذه جرت في تركيا أما في بلادنا:
فحين نتكلم عن شعبنا في دولنا العربية يظهر لنا بوضوح كافة السلبيات التي لا تستطيع معها أية مبادرات وأطر إيجابية البروز لشدة تمكين السلبيات التي زرعت عنوة في نفوس الأبناء، فالتمييز الطبقي والإثني والطائفي ساد على أي غرس جميل وصالح في النفوس، ومن هنا بدأت سلسلة المآسي التي غمرت حياة المواطن والذي سيس بجدارة لقبول هذه المفاسد المجتمعية.
بهذه السياسات الهدامة أصبحت شعوبنا ومجتمعاتنا تعاني من التشتت الفكري، مضافا إليها انهيار كلمة المواطنة التي لم نكن نشعر بها، وبضياع هذه الكلمة من نفوسنا فقدنا قيمة الوطن والدولة والكيان لتنتهي بعدها ثقتنا برجال الدولة والحكومة والمرشحين والنواب والقضاة والحاشية من الدعاة للسلاطين القاهرين لشعوبهم والمتملقين والمتلونيين وخدم الحريم.
حين نتكلم عن الشعب العربي فنحن في قلب التشتت السياسي ونهاية الارتباط الإنساني في المجتمع. لقد نالت منا الأكاذيب السياسية وخرافات الموعودين وتنصلهم واصطيادهم في المياه العكرة المعكرة في الطائفية والمذهبية والإثنية وفرقتنا إلى فئات تتناحر وتقتل بعضها البعض. لقد غسلوا عقول البشر وجعلونا نظن أنه إذا قمنا باختيار زعماء غير الموجودين والدائمين والصفوة المختارة من قبل المطبلين، كأننا نخون ديننا ونخرج عن الصراط المستقيم ونخون بلدنا وشعبنا.
من هنا يجب أن نعترف باننا نعيش على الهامش أو لم نعش كباقي البشر، فالإنسان يعني الرأي والإرادة ويعني الاختيار ورجحان العقل والانتماء إلى المجتمع، فنحن كما وصف نفسه الشاعر أحمد مطر: "يقال إن أقصر قصة كتبها إنسان هي "رجل ولد وعاش ومات"، وأنا أعتقد أن سيرتي يمكن أن تروى على النسق نفسه لتكون: "رجل ولد ولم يعش ومع ذلك سيموت!".
لقد تفاجأ الكثير والكثير أننا نحتفل بانتصار الرئيس رجب طيب أردوغان، فهو لم يكن رئيس دولتنا ولكن لم يتساءل لماذا؟
لأن أمتنا تفتقر منذ زمن بعيد لرجال لديهم القدره على قول الحق ونصرة المظلوم. شعبنا متعطش لكلمه أمة... نعم أمة وسئم الطائفية. إنه رجل جعل المسلمين يشعرون أنهم لديهم سند وأصبحت تركيا في نظرهم هي المخلص وأنها الوحيده التي لا تزال من بين الدول تقف وقفه عز لتعز المسلمين. إن الطيب يجسد ما يفتقده المسلمين بشكل عام والعرب بشكل خاص. فنبارك له ونتمنى من الله أن يسدد خطاه.
لم يفز الرئيس أردوغان لوحده بل فاز كل الشعب معه وربما قبله لقد فاز بفرض احترامه أمام الدنيا كلها، فازت المؤسسة الانتخابية والمؤسسات التنفيذية والقضائية ورهط الإعلام وباقي المساهمين في إنجاح العرس والمهرجان التركي.
يدا بيد نحو الإصلاح يا من تتمنون أن تصلوا إلى مرتبة هذه الأمة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس