علي الصاوي - خاص ترك برس
"إننا نترحم لمواطنينا الذين استشهدوا أثناء محاولة الانقلاب، التي حدثت في 15تموز /يوليو 2016 حين وقفوا في وجه من استهدفوا الإرادة الوطنية".
بتلك الكلمات، زيّنت بلدية منطقة الفاتح بإسطنبول أحد جدران وجهتها الرئيسية، وبجوارها صور من ضحوا بأروحهم وقت التصدّي للمحاولة الانقلابية الفاشلة، لتكون شاهداً على ما حدث وعبرة للأجيال القادمة.
يحتفل الشعب التركي هذه الأيام بانتصاره على من أرادوا إجهاض حركة الديمقراطية، وإرجاع الدولة إلى عصر أنظمة مقيتة، لطالما أذاقت الشعب التركي مرارة الذل والانكسار، خرج الجميع حاملين الأعلام التي دائما تتصدر المشهد، مع كل حراك سياسي واحتفال قومي، فقد أثبت الشعب التركي أنه عصيّ على الهزيمة وأن دماءه ليس عزيزة عندما تكون في سبيل الوطن، فالأمم التي سقطت وهي تقاتل نهضت مجدداً، بينما الأمم التي استسلمت في خنوع انتهت من دون رجعه.
جاء الانقلاب في صورة مفاجئة للجميع ليُسقط ما تبقى من وجوه مزيفة، ويفضح النفوس الخبيثة التي كانت تتربص بتركيا الدوائر في انتظار الفرصة، كي تنقض عليها وتنهش فيها دون رحمة، مثلما حدث للدولة العثمانية قديماً، لكن دائما لا تأتي رياح التآمر كما يشتهي المتآمرون، فهناك جندي مجهول لم يراهن عليه أحد ولم يولّي له اهتماما، كانوا يظنوه مثل باقي الشعوب المنبطحة التي سقطت في شراك مكرهم، ورضيت بواقع الهوان والعبودية من دون أن تقاوم حتى أخر رمق ،فما لبثت الأحداث أن تكتمل وتعمل الوسائل الإعلامية المعادية على تصدير صورة مزيفة عنها للعالم، للتأثير المعنوي وتحطيم الهمم، إلا وكان للشعب رأيا أخر، الذي قام بدور المقاتل الشجاع وأفسد عليهم مخططاتهم وبذل من روحة ودمه ما أعجز المتابعين عن إيجاد وصفا يليق بتلك التضحية.
"لا تحسبوه شرّا لكم بل هو خيرٌ لكم" بتلك الكلمات القرآنية القليلة قرأت هذا المشهد المهيب، وقلت في نفسي إن التاريخ يُكتب من جديد ليكلل هامته برجال تستحق أن تسطّر أحداثه وترتب صفحاته المليئة بالهزائم النفسية والتراجع الإقليمي، ولم يخيب ظني، فها نحن نرى تركيا في ميلادها الجديد تشقّ لنفسها طريقا في وسط منحدرات وعرة مليئة بالتحديات، وأمواج عالية من التآمر والخيانة، وتخط لنفسها سياسة جديدة تنبض فيها روح السيادة والاستقلال، لتنتهي حقبة زمنيّة بغيضة، ويبدأ عصر جديد ينقشع عنه ظلام الاستبداد، لتتنفس الشعوب الحرية وتضيء لها الطريق أمام الديمقراطية.
إن بالمواقف تُعرف الرجال وبالمحن وحدها يميز الخبيث من الطيب، وقد فضح الانقلاب العداء المكنون في صدور من يزعمون أنهم حلفاء، بدءًا من الاتحاد الأوروبي، الذي اعترف رئيسه السابق "خافيير سولانا" في حسابه على تويتر بأنهم كانوا يعلمون بموعد الانقلاب، لكنهم لم يساعدوا الجانب التركي، وأن الاتحاد مدين بالاعتذار للرئيس أردوغان، قبل أن يقوم بحذفها بعد ذلك، إلى بعض الدول العربية التي اختلقت شائعات وروجتها على قنواتها الإعلامية بهدف إنجاح المحاولة الانقلابية، وما زالت محاولات إسقاط تركيا تتصدر أجندة الغرب وأذيالهم من الأنظمة العربية، التي تتولى دفع فاتورة أي محاولة لإسقاط تركيا، بعد أن تسببت سياستها في فضح دورها المشبوه بدءً من تصفية القدس إلى إفشال الثورات العربية واجهاض إرادة الشعوب.
أيتها الشعوب القابعة في سجون الظلم والاستبداد، وتعيش في دوائر ضيقة تحت مستوى الحياة، وتستجدي العطف والإحسان ممن يجلدوهم كل يوم، إنكم وحدكم أسياد تلك البلاد أنتم المسئول الأول عن تغيير واقعكم إلى الأفضل، أنتم رأس الديمقراطية ومنبع الحرية فإن لم تقدموا ما يجعلكم تحصلون عليها وتتمتعون بهما فلن يعطيها لكم مرسوم رئاسي ولا إعلان برلماني ولا مساندة دولية، فتلك الأنظمة ما جاءت إلا لكبت أنفاسكم وسلب حريتكم، فتغيير المصير يتحقق مع تحرك الشعوب، إن الحرية تتفجّر من نيران العصيان وليس من الرضى بالذل والهوان، فمن ألِف سجن العبودية آلامه شعاع الحرية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس