أحمد الهواس - خاص ترك برس
هناك مشكلة في فهم طبيعة الدور الإيراني في سورية، وهي اعتبار إيران عدوًا لأمريكا وإسرائيل، بل قد يصل "التخيل" ببعضهم إلى أن إيران تخوض حربًا مع أمريكا على الأرض السورية! وهذا وهمٌ وفساد في الذهن، أو تدليس على الناس!
الواقع أن إيران في تحالف عضوي مع أمريكا وإسرائيل، بل إن مجيئها إلى سورية كان بأمر أمريكي وليس برغبة أمريكية فقط، كلام قد يبدو صعب الفهم أو أنّه خارج السرب عند من يتوهم أنّ ثمة صراعًا بين أمريكا وإيران.
حرصت أمريكا على بقاء النظام الطائفي في سورية، منذ أن مكّنت لهم من الحكم، وقد كُلف حافظ أسد بعدة مهام ونجح بها، كتدمير المقاومة الفلسطينية وإخراجها من لبنان، وتمزيق وحدة الصف الفلسطيني، وإضعاف السُنة في لبنان، وقد تمّ له ذلك مقابل صمت أمريكا عن جرائمه بحق السوريين في السبعينيات وأوائل الثمانينيات، كذلك دعمه للملالي في حربهم ضد العراق، ودخوله حليفًا في الحرب ضد العراق 1991 بذريعة تحرير الكويت!
شكلت سورية وما زالت حجر الزاوية في البناء الرسمي العربي، والبناء الإقليمي، وزادت عليه بأن أصبحت "كلمة السرّ" في استمرار الهلال الشيعي الذي أرسته أمريكا بعد غزو العراق، وهو الذي شكّل حماية دائمة لإسرائيل، وقلقًا دائما لدى الأنظمة العربية، وسببًا مباشرًا لاستمرار تدفق الأموال العربية للخزينة الأمريكية من خلال التسلح خوفًا من الرعب الإيراني!
دخلت أمريكا في حرب ضد الثورة السورية منذ اللحظة الأولى لها، ومنذ أن كانت حراكًا سلمياً، فقد أبلغ السفير الأمريكي فورد وفدًا من المعارضة السورية في منزل رياض سيف بدمشق أن سقوط النظام غير مطروح، وأن التعرض للأقليات وفي القلب منهم العلويون ممنوع!
وقد استترت أمريكا خلف الفيتو الروسي الصيني، وتركت الشعب السوري يواجه مصيره، ولم تعمل على حماية المدنيين كما ينصّ القانون الدولي، وكان يمكن أن تنقل الملف إلى الجمعية العمومية تحت بند الاجتماع من أجل السلم، تأسيسًا على الحالة الكورية في خمسينيات القرن المنصرم، لكنها لم تفعل، ومنعت تزويد الثوار بالسلاح النوعي، وحوّلت الأنظار تجاه "ما يسمى الإرهاب" وتغاضت عن سبعين فصيلاً طائفياً يقاتل مع النظام الطائفي، وحرصت على إبقاء الاعتراف السياسي بنظام أسقطته الشرعية الثورية، وتركت الائتلاف الذي اعترفت به 125 دولة دون أي فاعلية سياسية!
في الثورة السورية هزمت الثورة النظام في أواخر 2012، ولم يبق إلا القليل وتسقط دمشق، فتدخل حزب الله، وهزم، ودخلت إيران بثقلها ومعها سبعين فصيلاً طائفيا، وهزموا جميعًا، وفي 2015 بدا أن كل هذا الدعم لن ينفع، رغم "دعش" منطقة السنة العرب، وتشكل حلف بقيادة أمريكا، حلف دمّر مدن السنة بذريعة القضاء على الإرهاب، وتغاضى عن الإرهاب الطائفي ولم يمسسه بأذى!
وبعد سقوط إدلب وجسر الشغور والتقدم في دمشق كان قرار دخول روسيا في 30 أيلول/ سبتمبر 2015، أيضًا بتنسيق أمريكي حتى لا تنتصر الثورة السورية، وتتغير المعادلة السياسية في المنطقة، وتختل موازين القوى بوصول السنة للحكم، وهذا يعني هدمًا للمشروع الشيعي بقيادة الملالي، مشروع رعته أمريكا وكان العراق الصفقة أو تأكيداً للزواج الكاثوليكي بين الملالي ورعاة البقر، مشروع بات واقع حال، ولا بدّ من أن يفسح له المجال في المنطقة، فهو الذي سيجعل المقارنة بينه وبين الصهاينة يصبّ في مصلحة الصهاينة من حيث العداء والقتل وتشريد المدنيين، وهذه هي الغاية الخفية التي يعمل الملالي عليها بالاتفاق مع الصهاينة، وهكذا ينكسر الحاجز النفسي لدى الشعوب العربية تجاه الصهاينة!
إن الحديث عن تنسيق إيراني مع النظام الطائفي على المستوى العسكري، هو في الواقع توازع أدوار في إخضاع السوريين، حيث أمريكا لها منطقة وعملاء يقاتلون تحت مسمى سورية الديمقراطية وهم في تحالف مع النظام، والهدف هو تمكين بي كي كي من منطقة تحاذي تركيا وتشكل خنجرًا في خاصرتها، والإيرانيون لهم مهام تشييع السوريين، والروس لهم التدمير كما سيناريو غروزني ومن ثم الاستعانة بشرطة شيشانية من خريجي حلقات الصوفية وهؤلاء من أتباع قاديروف المؤيد لبوتين بوصفه ولي أمر!
أمريكا تضخّم بالقوة الإيرانية حتى تبتز الخليج، وتضحك على فشلة المعارضة السورية وتوهم السوريين أنها بحرب مع إيران، والواقع أن أيران وأمريكا وروسيا والصهاينة والنظام الطائفي في سورية وشقيقه الطائفي في العراق في تحضير للمعركة القادمة، وهي تركيا، وما الوجود الإيراني في الشمال إلا تحضيرا لذلك!
وتبقى الحقيقة الغائبة أو المغيبة:
إنّ أي خلاف يُشاع بين حزب الله وجنود النظام غير صحيح، وأي خلاف بين روسيا وإيران على الأرض السورية غير صحيح، فالكلّ يعمل لهدف واحد وعند معلم واحد، وقد جمع بين هؤلاء أسباب دينية ومصلحية، وكل إشاعة عن تصادم بينهم الغاية منه صرف الأنظار عن هذا التحالف الشيطاني وأهدافه!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس