خلود الخميس - العرب القطرية
تناول إفطاره في إثيوبيا وغداءه في الرياض وعشاءه في جيبوتي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
يعتبر الرئيس أردوغان «الرقم الماسيّ» بين حكام العالم الإسلامي، فقد جمع بين الحكم والقيادة والزعامة، وتلك الصفات ندر ما جمعت لحاكم في العصر الحديث.
ما زال يطبق في كل لحظة من حكمه لتركيا مقولته الشهيرة للشعب التركي «جئناكم خداماً لا حكاماً».
عندما قطع زيارته لدول إفريقيا واتجه إلى الرياض حال علمه بوفاة المغفور له بإذن الله الملك عبدالله بن عبدالعزيز طيب الله ثراه، ليصلي على جنازة أخيه فذلك تطبيقاً للآية التي دائماً ما يكرر «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
فكلما سئل: لماذا لا تترك مشاكل السوريين والعراقيين والروهينجا وغيرهم وتنشغل بالشأن الداخلي التركي. أجاب «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
تصرف القادة والزعماء يختلف عن تصرف الحكام، فالحاكم منصب سياسي قد يكون سببه الوراثة، بينما القيادة والزعامة أمر مكتسب من التربية على القيم الإنسانية العليا المتفقة مع الأخلاق العامة لما يؤمن به الإنسان. وهي عند أردوغان، كما تبين في أكثر من موقف أنها مستقاة من قيم الشريعة الإسلامية لا العلمانية التي تحكم تركيا منذ تسعة عقود بدستور مفصل كيف شاء المقبورون.
أيضاً الزعامات دربة وهدف، الزعيم إن لم يكن صبوراً لن يبلغ غايته في قيادة الناس، إن افتقد للحلم والأناة انفض الناس من حوله، إن كان طماعاً شخصانياً لاهثاً خلف كنز المال والاستفادة من المنصب السياسي فلن يكون حينئذ زعيماً، بل قرصاناً ببدلة وحذاء وربطة عنق.
في خضم الأزمة العالمية التي تمر بها الشعوب في صراعها مع أنظمة لتحرير الإنسان من استعباد إنسان آخر له، انكشف الكثير من الأجندات التي كانت مندسة تحت المفارش الحريرية لاجتماعات الموظفين الحكوميين، وحبر أسود حالك خلف تلك التواقيع والإمضاءات التي تساند قتل شعب هنا وإبادة آخر هناك، ودعم حاكم هنا وخلع آخر هناك.
في أثناء تلك الفوضى العارمة التي اجتاحت الشرق الأوسط خاصة منذ 2010، ما الرسائل التي يرسلها أردوغان باسم الإدارة التركية عبر الأفعال لا الكلام فقط للعالم العربي والكرد؟ ما رسائله للعمق السني في العالم الإسلامي؟
الرسائل كلها تصب في تلك الآية «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ».
المراقب «العادل غير المسيس» يرى بوضوح نهار بازغة شمسه، أو ليل منتصف الشهر يلمع قمره، أن الإدارة التركية المحافظة منذ أن تسلمت زمام السلطة وقيادة البلاد قبل اثني عشر عاماً، وهي ترسل برسائل حب للعالم الإسلامي.
نعم رسائل حب، وما الإخوة في الله إلا حب مستمر حتى لقاء الآخرة؟
البعض يقرأ هذا المقال ويظنه حديثاً عاطفياً. لا. بل هو تحليل لعمق الخطاب السياسي التركي منذ أن استعاد الشعب التركي حكم البلاد الذي خطفته العلمانية وبدعم المؤسسة العسكرية وبفساد السلطة القضائية وخنوع العامة التي تحتاج لقائد وزعيم يسوسها بما يلائم قيمها وثوابتها ومبادئها، وكان مفقوداً، أو موجوداً مثل نجم الدين أربكان، ولكن بخطاب لا يملك البراجماتية التي تتطلبها مؤسسة الحكم في دولة منهجها يقوم على دعائم دستور علماني، والعقوبة لأي تفكير أو طرح ديني أعواد المشانق.
في العام 2002 بدأ الشعب يستعيد تركيا تدريجاً، جاء بمواليد من رحمه، يشاركهم أناتهم وأوجاعهم، له نفس اهتماماتهم ومشاكلهم، يمر بذات همومهم، الزعيم السياسي عندما يتبنى المنهج الأخلاقي في سوس الشعب، يتحلى بروح المسؤولية عن كل فرد فيه، يناضل في سبيل أمته بلا هوادة، يتصرف بتواضع الأجير الذي إن لم يؤد عمله سينهي الشعب عقده ويستبدله بغيره، لا الأمير الذي فرض عليهم ولا ينزعه إلا ملك الموت.
الخطاب التركي للأمة الإسلامية: نحن إخوانكم، عمقكم الاستراتيجي، نحن القوة والشوكة لكم، نحن حلقة الوصل مع الدول التي تستضعفكم أو تتحرجون من العلاقات معها بسبب دينية دولكم، فهل سترد عليهم المنطقة بصوت المملكة العربية السعودية المهيب: نعم «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ» وأنتم إخوتنا؟!
كل الأمل بالله ثم في جلالة الملك سلمان بن عبدالعزيز وبطانته الجديدة، متفائلون بحقبته في الحكم ببدء تحالفات استراتيجية تعيد للسنة كرامتهم قبل هيبتهم، وتحقن دماءهم قبل رد مظالمهم، وتصافح الشعوب قبل الحكام، ونظن فيه خيرا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس