علي الصاوي - خاص ترك برس
لا حرب بدون ذرائع، ولا هجوم يتحقق من دون أن تسبقه المبررات الكافية، التي تعمل الأنظمة السياسية على طبخها خلف الكواليس وتتولى الماكينات الإعلامية ترويجها عالميًا، فحين أراد هتلر احتلال بولندا لم يجد ما يدفعه للقيام بذلك من دون سبب حقيقي، لا سيّما وأن الهدف من غزوها هو تنفيذ سياسته التوسعية ليس إلا، فقام جهاز مخابراته بإرسال مجموعة من رجال القوات الخاصة بحرق محطة الإذاعة الألمانية في مدينة "غليفيتش" التي تقع على الحدود بين ألمانيا وبولندا حتى يبدو الأمّر كأنه دفاعًا عن الدولة، في حين أن باطنه هو التوسّع والسيطرة، ومن هنا بدأ الإعلام الألماني بالدعاية الكاذبة وحشد الرأي العام، وتعبئته تجاه الحادث بضرورة الرد والدفاع عن النفس تجاه هذا التجاوز، وأمر هتلر المركز النازي المسؤول عن الصحافة بعدم ذكر كلمة حرب نهائيا لإبعاد الشبهات عنها، وهكذا تشكّلت كل عوامل الرغبة والأرضية السياسية والدعائية في الهجوم على بولندا، وبالفعل تم الغزو عام 1939.
إن التاريخ تتشابه صفحاته وألاعيبه السياسية باستثناء الضحايا، فهم مختلفون باختلاف الجغرافيا ومناطق الصراع وحجم اللاعبين والمصالح، وفي هذا العصر تحولت منطقة الشرق الأوسط إلى منطقة صراع مصالح وتقاسم نفوذ مشترك بين الدول الكبرى، الخاسر الوحيد فيها هم العرب.
تتخذّ روسيا عدة ذرائع من أجل ضرب إدلب وإعادة تسليمها للنظام السوري، أول تلك الذرائع هو الادعاء الذي تروّج له وسائل الإعلام والخارجية الروسية بأن قاعدة حميم العسكرية تتعرّض لهجمات بين الوقت والحين من قبل الإرهابيين بطائرات مسيّرة، بالإضافة إلى الرغبة الانتقامية في الأخذ بالثأر لإسقاط طائرة سخوي روسية ومقتل قائدها علي يد الثوار قرب مدينة "سراقب" بإدلب ما جعل الروس يزيدون من وتيرة الاستعداد والتجهيز لاقتحام إدلب وتسليمها للنظام من جانب، ومن جانب آخر توقف نزيف الخسائر العسكرية بالقضاء على أخر معقل ثوري بسوريا، وبما أن حسابات تلك المعركة معقّدة لتضارب المصالح بين روسيا وتركيا ساهمت وسائل الإعلام الموجهة من الروس والنظام بإثارة المخاوف لدي الجانب التركي، في محاولة للسيطرة على المدينة بشكل سلمي بعيدًا عن الحل العسكري، عن طريق دفع تركيا لإقناع هيئة تحرير الشام بتسليم أسلحة المقاومة، والخروج من المدينة بذريعة الخسائر التي سوف تلحق بالمدنيين وكميّة النزوح المقدّر عددها حوالي مليون إنسان، باتجاه الحدود التركية، إضافة إلى عدد القتلى، وهذا ما بدا واضحًا في تصريحات الرئيس التركي أردوغان لصحيفة "حرييت" فقال: "الوضع في إدلب مهمّ للغاية بالنسبة لنا إذا انهمرت الصواريخ، لا قدر الله، على هذه المنطقة سوف تحدث مجزرة خطيرة وموجة نزوح كبيرة، وهذا ما سنحاول منعه في قمة طهران المقبلة، التي تمثّل استكمالا لعملية أستانا، آمل أن نتمكّن من منع هذه النزعة المتطرفة في الهجوم على إدلب".
إن الاعتماد على الروس في منع الهجوم على إدلب مجرّد أمنية واهية فلا أمان لهم، وهناك تصريحات تؤكد أن المفاوضات مهما تم فيها من مخرجات تصبّ في صالح التهدئة، فإنها ليست مُلزمة لروسيا ففي تصريح لوزير الخارجية سيرجي لافروف قال فيه: "إن مخرجات أستانة لا تستبعد الهجوم علي الإرهابيين في إدلب ولدمشق الحق في تصفية هذه الفصائل المسلحة" لذلك على تركيا أخذ الحذر وتوقع كافة السيناريوهات المطروحة على مسرح الأحداث وأن تكون مستعدة لها، ولعل وجود ما يُعرف بمصطلح "توازن القوى الاستعماري" جعل الدول الكبرى تتجنّب الصدام المباشر وتنسّق فيما بينها، لوضح حلول سياسية تجنبهم الخسائر المادية والعسكرية والقطيعة الدبلوماسية وهذا ما ظهر أثره في قضية إدلب حتى الآن لا سيما مع تضارب المصالح وتباينها بين هذه الدول في الملف السوري بشكل عام.
لا حل إلا بالتفاوض، فهذا أضعف الإيمان، وإلا ستكون هناك كارثة إنسانية سنقف أمامها مكتوفي الأيدي كما حدث من قبل في حلب ودوما وغيرهما، وعلى الفصائل أن لا تعوّل على أي ضامن ويجب عليها إعادة إلمام الصفوف والاستعداد للمواجهة، فإن شرف الهلاك أفضل بكثير من نذالة الحياة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس