حسن بصري يالتشين – صحيفة تقويم – ترجمة وتحرير ترك برس
في الوقت الحالي تبدو إدلب وكأنها إحدى الخطوات النهائية في إطار الحرب السورية، ولكن في الواقع لا يمكن القول إنها المرحلة الأخيرة لهذه الحرب، نعم إدلب هي المنطقة الأخيرة من بين المناطق التي تتقاسمها القوى المتدخّلة في الساحة السورية، ولكن يجب أن لا ننظر إلى الحرب الداخلية السورية على أنها مرحلة على المدى القصير، لأن تقسيم المناطق لا يعني نهاية الحرب وبدء المفاوضات من أجل تحقيق السلام بشكل سريع، كما ذكرت مسبقاً أصبحت سوريا أشبه بمتاهة كبيرة، والخروج من هذه المتاهة ليس بالأمر السهل، بل أصبح الأمر يزداد تعقيداً يوماً تلو الآخر.
قد تكون إدلب إحدى فترات هذه المرحلة، ولكن لن تكون نهاية المرحلة أبداً، إذ أدت مواقف أمريكا إلى مواجهة طرق مسدودة داخل المتاهة السورية، وقد توضّح أن هذه الطرق ستصبح مسدودة منذ أن دافعت أمريكا ودول الغرب عن الاستبداد بدلاً من الديمقراطية في سوريا، وكذلك عندما تغاضت أمريكا عن التدخّلات الروسية لصالح الاستبداد الذي نشهده في سوريا.
كانت أمريكا تستطيع الضغط من أجل الوصول إلى حل لصالح طرفها من خلال دفع الأسد للرحيل وتنصيب شخص آخر قريب للأسد أو معارض له ليؤسس حكومة جديدة، وبذلك كانت روسيا ستضطر للاكتفاء بالمشاهدة من بعيد، لكن أمريكا لم تفعل ذلك، بل دعمت هذه المتاهة وأدت إلى زيادة الطرق المسدودة، وعندما تدخّلت روسيا في مجرى الأحداث انتقلت الحرب السورية إلى منحى مختلف تماماً عن السابق.
عند دخول أي دولة تملك قوة نووية إلى دولة أخرى يُصبح إخراجها أمراً صعباً مهما كان مدى القوة الاقتصادية والعسكرية للدولة المدخول إليها، وخصوصاً إذا كانت الدولة المتدخّلة دولةً ذات قوة نووية ضخمة وقدرة عسكرية عالية مثل روسيا، عندها تُصبح استراتيجية أمريكا التي تعتمد على الضغط لصالح طرف واحد مستحيلة وغير نافعة ولن تحقق نتائج ملموسة.
منذ دخول الجيش الروسي إلى الساحة السورية أصبحت روسيا تملك الفرصة لتكون جزءاً من جميع أنواع المفاوضات والمباحثات لإيجاد حل للقضية السورية، وكذلك أخذت إيران وتركيا وأمريكا موقعها في المنطقة أيضاً، وبذلك تشّكلت أجواء تعيق مهاجمة أي قوة لقوة أخرى، وفي هذا السياق تزعم بعض الجهات المؤيدة لروسيا أن الأخيرة تستطيع إجبار تركيا على الانسحاب من المناطق التي سيطرت عليها القوات المسلّحة التركية من خلال عمليات درع الفرات وغصن الزيتون، لكن هذه المزاعم ليست واقعية، إذ يمكن لروسيا أن تهاجم تركيا في الساحة السورية عن طريق الغلط فقط، لكن ليس هناك أي احتمال يدور حول مهاجمة روسيا لتركيا بشكل مقصود، ويتوضّح ذلك من خلال النظر إلى مسار المفاوضات التي تجري بين الدولتين التركية-الروسية فيما يتعلّق بمدينة إدلب.
تحاول روسيا وشركائها الضغط من أجل تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، لكن لا أحد ينظر إلى هذه المسألة على أنها المرحلة الأخطر أو الأهم في الخصوص السوري، لأن روسيا لن ترغب في خسارة كل ما اكتسبته منذ البداية إلى الآن فقط من أجل تنفيذ عملية عسكرية في إدلب، من جهة أخرى قد تكون إيران أكثر جرأة من روسيا في الصدد ذاته، ولكن نظراً إلى ارتباط إيران بروسيا بشكل كبير يمكن القول إنّ العامل المحدد في هذه النقطة هي القيمة التي يعطيها الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" لشروط مرحلة أستانة، وفي هذا السياق يمكن لتركيا أن تُظهر لباقي القوى أن التدخّل العسكري في إدلب قد يؤدي لخسارة دعم وصداقة تركيا بشكل نهائي، ولكي تكتسب هذه المسألة جديّة أكبر يجب على أمريكا والدول الأوروبية أن تدخل في الساحة بشكل أبرز، لكن مع الأسف لم تُظهر هذه الدول الاهتمام المفروض للمسألة، لذلك يجب على تركيا أن تكون مستعدّة لجميع الاحتمالات خلال المراحل المقبلة، كما يمكن للأخيرة أن توضّح أنها قد تبادر بتدخّل إنساني والدخول إلى شمال إدلب في حال بدء العملية العسكرية على أرض الواقع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس