عدنان عبد الرزاق - العربي الجديد
أذكر بل وعايشت، من خلال إقامتي في تركيا، الانقلابات الثلاثة الماضية، التي حدثت وتم وأدها، إن أيام أحداث حديقة غيزي والتحشيد ضد حكومة رجب طيب أردوغان، أو أحداث 25 سبتمبر/ أيلول عام 2013 وبدء استئصال تنظيم فتح الله غولن، أو الانقلاب الأشهر ليلة 15 يوليو/ تموز 2016.
وأذكر كيف كان للشعب التركي الدور الأبرز ربما، في إفشال الانقلابات السابقة، وخاصة الأخير، وقت طلب الرئيس رجب طيب أردوغان من الشعب أن ينزل إلى الساحات والشوارع ليواجه الانقلابيين ويحافظ على مكتسباته بالحرية والعيش الكريم.
بيد أن الانقلاب الحالي، إن صحت تسميته انقلاباً، معكوس ومغاير لسابقيه، بمعنى أن الشعب اليوم هو من يطالب الحكومة بأن تقف إلى جانبه، بعد أن وقف ببداية الانقلاب إلى جانب دولته وليرته، واستجاب لطلب الرئيس أردوغان وحوّل مدخراته إلى العملة التركية، بل ولم يزل حتى اليوم واقفاً إلى جانب بلاده، رغم ما فقد من دخله نتيجة خسارة الليرة 40% من قيمتها هذا العام، وما انعكس من ذلك التضخم على غلاء أسعار، التي بدأت ترتفع بمعدل 40% وربما أكثر لبعض السلع والمنتجات التي يدخل "الدولار" في صناعتها عبر المواد الأولية الداخلية بالإنتاج.
قصارى القول: يعي الأتراك، شعباً وحكومة، مخاطر الهجمة الدولية على اقتصادهم، بل ويوقنون التبعات إن نجح الاستهداف بجر تركيا لأزمة دولية من خلال ثغرات التضخم أو المديونية الخارجية وعجز الميزان التجاري، ما يتطلب، وربما بأقصى سرعة، استكمال التدابير الاحترازية، ومن قبل الحكومة هذه المرة، إذ قد لا يكون كافياً تحريك أسعار الفائدة وتحشيد الشعب للوقوف إلى جانب علمته.
بمعنى آخر، ليس مستبعداً أن تنتج، ولو مرحلياً، فوضى اجتماعية جراء غلاء الأسعار وبدء اتساع الفجوة بين الدخل والإنفاق بواقع غلاء الأسعار، ما يستوجب مكافحة من يسعى إلى تحويل الأزمة إلى فرصة، وقد بدأ تجلي هؤلاء بوضوح بالسوق التركية، سواء عبر المضاربة أو احتكار ورفع الأسعار كيفياً بحجة ارتفاع سعر الدولار وعذر السوق الحر.
وهنا، قد لا يكون من الاقتصاد بمكان رفع الرواتب والأجور، لأن ذلك، وفضلاً عن استنزافه مدخرات الحكومة، سيؤدي إلى مزيد من التضخم عبر ضخ كتل مالية بالليرة في السوق، والتي تحاول الحكومة موازنتها عبر الإجراءات والقرارات العديدة التي رأيناها خلال الشهر الفائت
ما يجعل من اتخاذ قرارات حكومية تكافح المحتكرين وتحمي دخل الأتراك، إضافة لخفض الإنفاق العام وبدء التقشف الذي أعلنته، ضرورة، وإن مرحلية، تساهم مجتمعة في تعزيز ثقة المواطن بحكومته وليرته وتبعد أي فوضى سياسية واجتماعية، سيلعب عليها دعاة الانقلاب الجديد لحدوث انقسام وربما فوضى في داخل المجتمع التركي.
نهاية القول: ما تتعرض له تركيا اليوم هو هجوم اقتصادي وليس أزمة، وهي - تركيا - بحاجة إلى الشعب أولاً، لتؤسس لانقلاب مضاد يبعدها، كما حدث خلال الانقلابات الثلاثة السابقة، عن المخططات الكارثية التي ترسم لها، لتخرج بأقل الأضرار وتحضر اقتصادها لعقابيل لا مفر منها، سواء ما يتعلق منها بهيكلة رؤوس الأموال التي ستتغير بفعل الاستهداف لا محالة، إن بهروب بعضها أو تغيير نشاطه، أو حتى لحالات إفلاس محتملة في القطاع المالي والمصرفي على الأقل، بعد استكمال الهجمة الخارجية من وكالات التصنيف الائتماني ومصارف التمويل العالمية.
بل يمكن تجيير تلك المتغيرات في صالح الانقلاب المضاد الرابع، الذي بدأت ملامحه عبر قرارات الحكومة بقبول التحدي والإعداد لما بعد الهجمة أو الإرهاب الاقتصادي الذي يمارس علانية على تركيا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس