عدنان عبد الرزاق - العربي الجديد
زيارة وزير المال والخزانة التركي محمد شيمشك إلى الإمارات، كأول نشاط خارجي لمن تراه تركيا مخلصا لاقتصادها، كانت ملفتة وذات دلالات، وربما رسالة أرادت تركيا عبر الوزير ونائب الرئيس جودت يلماظ إرسالها من أبوظبي لمن يهمهم الأمر.
فبعد أن وصلت العلاقات بين أنقرة والإمارات إلى حد الوعيد وما بعد الإساءات خلال السنوات الماضية، تأتي أبوظبي، اليوم، كخيار أول محطات الفريق الاقتصادي وبتوقيت يمكن وصفه بالحرج جداً.
زيارة شيشمك ويلماظ جاءت في نفس يوم رفع سعر الفائدة المصرفية في تركيا من 8.5% إلى 15%، وفي اليوم ذاته الذي أعلن خلاله وزير المال انقلابه على السياسة غير التقليدية في إدارة الاقتصاد وملف الليرة، وكأن للإمارات دور أو يعوّل عليها كداعم، خلال مرحلة التحول التركي والتي، على الأرجح، لن تخلو من مطبات، بدليل استمرار تهاوي سعر الصرف وبلوغ الليرة أدنى سعر في تاريخها.
المتابع لمسيرة طيب العلاقات بين البلدين خلال الفترة الأخيرة، يصاب ربما بالدهشة، بيد أن تلك الغرابة تتبدد وفق مقيّاس المصالح ومبدأ لا عدو أو صديق دائماً، في السياسة أو في الاقتصاد، فأبوظبي المؤيدة والداعمة للانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، وقائدة حملة النيل من الليرة والسياحة التركية بعد ذاك، هي اليوم أول من تستشار أو ينسق معها حول خطط تحسين سعر الليرة، بعد أن كانت من أوائل من اتصل بالرئيس التركي مباركة بفوزه بالانتخابات الرئاسية الأخيرة.
وربما في الزيارات المتتالية بين رئيسي الدولتين، وتوقيع الرئيس الإماراتي، محمد بن زايد، 10 اتفاقات خلال زيارته أنقرة في نوفمبر/تشرين الثاني 2021، قبل زيارة يونيو/حزيران الجاري لحضور مباراة نهائي أبطال أوروبا، وزيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أبوظبي وتوقيعه 13 اتفاقية في فبراير/شباط 2022، مؤشر على طي صفحة الماضي التي تزيد من دلالاتها الشراكة الاقتصادية الشاملة التي وقعها البلدان بمشاركة الرئيسيّن في مارس/آذار العام الجاري، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.
ليبدأ شهر عسل تلغى خلاله الرسوم الجمركية على 82% من السلع والمنتجات، بما يفوق 93% من مكونات التجارة البينية غير النفطية، وتنشط أبوظبي في شراء مؤسسات تركية، في مجال الأعمال والتجارة والاقتصاد والاستثمار، بعد أن أنشأت صندوقا استثماريا بقيمة 10 مليارات دولار، وبدأت تنفيذ اتفاقية تبادل عملات بقيمة حوالي 5 مليارات دولار، لتتعالى سقوف الآمال بالعلاقات الاقتصادية إثر "التبادل الحر والعلاقات الاستراتيجية"، وتقفز قيمة التبادل من 18 إلى 40 مليار دولار.
ولكن، ثمة أمران هنا جديران بالذكر والتذكير:
1 - أولهما البحث بعقابيل التقارب التركي الإماراتي على علاقات تركيا الخارجية بشكل عام، والتركية الخليجية على وجه الخصوص، فإن قفزنا على ذهنية وتعاطي السياسة الإماراتية مع دول الإقليم، من اليمن إلى ليبيا والسودان وصولاً إلى سورية، أو قيادتها الثورة المضادة على الربيع العربي وحلم الشعوب، والتي تتنافى مع السياسة التركية، لا يمكننا تجاهل العلاقات الإماراتية السعودية المتردية وإن غير المعلنة. أو العلاقات الحذرة مع الدوحة رغم التقارب الأخير وعودة التمثيل الدبلوماسي.
وتركيا أعلنت من ذي قبل اتفاقاً استراتيجياً مع الدوحة، وتسعى منذ عامين للتقرب من الرياض المتمنعة، لأخذ العلاقات إلى ما هو أبعد، كما تخطط مع سلطنة عمان لنقل العلاقات إلى البعيد البعيد، سواء عبر توطين الصناعات، بما فيها العسكرية، أو زيادة حجم التبادل.
2 - وأما الأمر الثاني فهو أنه من سوء الفطنة والتقدير النظر إلى دول الخليج، وأبوظبي تحديداً، على أنها صرّاف آلي أو شركة خيرية، فهناك، وإضافة للمصالح ومقاييس الربح والخسارة، ثمة أثمان سياسية تضاف إلى معايير الاقتصاد والمال والاستثمارات، ومن غير الواضح، حتى اليوم، إن كانت تركيا قد شمرت لتكبدها.
نهاية القول: باتت واضحةً، وللعالم بأسره، إجادة تركيا الجمع بين المتناقضات وحسن التصرف وفق مبدأ مسك العصا من المنتصف، بل وانعكست هذه الخصوصية، التي تحسب للرئيس أردوغان وحكومته، على أنقرة بالنفع الاقتصادي والدبلوماسي، حتى باتت أنقرة محجاً لجمع الأعداء والوساطة بخلافات عميقة، وربما باستمرار تركيا بحسن العلاقات مع أوكرانيا وروسيا والوساطة والتوسط، دليلاً وحجة.
بيد أن تلك السياسية قد لا تجدي مع دول الخليج التي، وكما جرت العادة وأكد التاريخ، أنها تتسامح مع جميع الدول إلا مع أشقائها في مجلس التعاون، حتى وإن حاولت تسويق عودة الود عبر منابر المؤتمرات والقمم أو ما تقتضيه المرحلة من استهلاك إعلامي.
إذاً، هل يمكن لتركيا أن تقايض أبوظبي بعلاقاتها مع بعض دول الخليج العربي، وفي مقدمتهم السعودية بما لها وفيها من ثقل اقتصادي وسياسي وروحي، أم تنجح أنقرة في المواءمة وجمع المتناقضات إن لم نجنح ونأمل أن تقود تركيا ملف خلاف الأخوة توخياً للمصالحة لاحقاً؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس