خير الدّين قارامان – صحيفة يني شفق – ترجمة وتحرير ترك برس
لا بدّ لي في هذا السّياق أن أبدأ مقالتي بعبارةٍ نطق بها ممثّل جماعة الإخوان المسلمين في تركيا "أشرف عبد الغفّار" الذي قال "نحن الآن نُقتل. نادينا بالسّلام والصّلح منذ أكثر من تسعة عشر عاماً. ولكن يكفي. سنتّبع بعد الآن مفهوم القصاص".
بعد أكثر من تسعة عشر عاماً من تحمّل الظّلم والقهر والعدوان والاعتداء والذّل، وصل الأمر بجماعة الإخوان المسلمين إلى نقطةٍ باتت لا تُطاق. فقد أصبحوا مرغمين على حمل السّلاح بوجه من قام بقتلهم وتشريدهم منذ عشرات السنين. فهؤلاء حاولوا منذ سنوات عديدة إيقاظ الضّمير العالمي تجاه الظّلم والاضطهاد الذي يتعرّضون له، إلّا أنّهم يأسوا وعلموا أنّ الوجدان لن يستيقظ من سباته العميق.
كان الأمر كذلك في سوريا. فقوّات النّظام الأسدي ظلّت تقصف المدنيّين والأبرياء لعدّة أشهر من دون تمييز بين طفل أو امرأةٍ أو مُسن. فقتلوا البشر واعتقلوا الآلاف وزجّوا بهم في أقبية السّجون المظلمة وأذاقوهم أشدّ أنواع العذاب.
وبينما كانت آلة الفتك الأسدية تنشر الدّمار والخراب والقتل في أرجاء البلاد، تدخّلت القيادة التركية وأرادت تهدئة الوضع المتأزّم في سوريا من خلال تقديم النّصائح لرأس النّظام المتمثّل بشخص بشار الأسد. تركيا التي قدّمت النّصائح بكلّ إخلاص ومن دون مصلحة خاصّة بها، لم تستطع أن تجد آذاناً صاغية لهذه التّوصيات. فاستمرت آلة القتل والفتك بنشر الذّعر في كلّ أرجاء الدّولة السّورية. فما الذي حصل في نهاية المطاف؟
لقد نهض الشّعب السوري الذي بدأ مُسالماً وأُجبر على حمل السّلاح للدّفاع عن نفسه أمام طاغوت الشّام، حيث ازدادت الأوضاع سوءًا بعد أن كانت سيئة بالأصل.
من المسؤول عن كلّ ما يجري؟
لو سألت البعض عن الطّرف المسؤول عن كلّ ما يجري الآن في سوريا، لربّما قالوا بأنّ الشّعب هو المسؤول عمّا يجري من دمار وخراب. ولربّما قالوا بأنه كان على الشّعب أن يتحمّل الظّلم ويصبر ولربّما ذهبوا إلى أبعد من ذلك ليقولوا بأنّه كان يجب على الشّعب أن يستغني عن مطالبه في الحرية والدّيمقراطية وكان عليه أن يعلم مُسبقاً بأنّ العالم سيتخلّى عنه أثناء المحن.
وإنّ بعض من يدافعون عن هذه النّظرية هم أنفسهم الذين يدافعون عن الدّيمقراطية ويؤمنون بالحرّيات العامة. وإنّني أرى أنّه لو استمرّ مفهوم الصّبر والتّحمّل الذي يدافعون عنه، لما استطاعت الأمم عبر تاريخها التّخلّص من جبروت الطّغاة والمستعمرين. ولامتلأت الدّنيا بالمظلومين والمقهورين.
أقولها مِراراً وتكراراً "النّار تحرق موضعها" وإلقاء الغزل من الخارج سهل ومقدور عليه. فقبل اندلاع الثّورة السورية كان ينتظر الأشخاص الذين ينتسبون إلى جماعة الإخوان المسلمين عقوبة الإعدام.
واليوم أصبح الإخوان في مصر على نفس الشّاكلة. فالذين يطلقون على أنفسهم اسم حُماة الدّيمقراطية، لم يستطيعوا حتّى مجرّد التّنديد بالسيسي الذي انقلب على الرئيس الشرعي محمد مرسي الذي استلم حكم البلاد عن طريق الانتخابات الشرعية، بل إنّ بعضاً من هؤلاء الدّيمقراطيّين المزيّفين قاموا بتقديم الدّعم سرّاً وعلانيّةً للسّيسي وأعوانه. وقد قام الانقلابي السيسي بالاعتماد على هذا الدّعم ليستمرّ في نشر الظّلم على غالبية الشّعب المصر المؤيدة لجماعة الإخوان المسلمين.
ومنذ عدّة أيام وخلال إحياء الشّعب المصري للذّكرى السنوية الرّابعة للثورة المصرية التي أطاحت بنظام الرئيس المخلوع حسني مبارك، قامت قوّات السيسي بالاعتداء على المتظاهرين السّلميّين وقتلت ثمانية وعشرين شخصاً منهم وجرحت العشرات.
نعم يتعرّض الممثّلون الشّرعيّون للشعب المصري للظّلم والاضطهاد منذ تسعة عشر شهراً، حيث تمّ الزّج بهم في سجون الظّلم وتعذيبهم بكّل الوسائل البشعة. لكنّهم لم يدعوا إلى حمل السّلاح خلال هذه الفترة أبداً. وفي حال قام هؤلاء المظلومون بدعوة الشّعب إلى حمل السّلاح للدّفاع عن أنفسهم، فإنّني لا ألومهم، بل أُلقي باللوم على الانقلابيّين وأعوانهم في الدّاخل والخارج الذين أجبروا هؤلاء المظلومين على المطالبة بحقوقهم عن طريق الكفاح المسلّح.
أقولها للعلن، إنّ سبب تأخّر الشّعوب الإسلامية في كافّة أرجاء المعمورة هو تكالب الغرب على ثروات هذه الأمم. فالغرب وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية لا يقيمون للقيم الإنسانية أي وزن. فهم لا ينظرون إلى الأمم إلّا من منظار المصلحة والمنفعة. "دينهم دينارهم". والغريب في الأمر أنّ الغربيّين يحاولون أن يظهروا أنفسهم بلا حياء وخجل، على أنّهم حُماة الدّيمقراطية والسّلام في العالم.
ولأنّني لا أتأمّل خيراً من هؤلاء الغربيّين، فإنّني أدعو القيادة التركية والإدارة السّعودية الجديدة، إلى الوقوف بجانب الشّعب المصري المظلوم والدّفاع عن مطالبه المُحِقّة في الحرية والدّيمقراطية.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس