باسل الحاج جاسم وبدر سليم - صحيفة ديلي صباح - ترجمة وتحرير ترك برس
أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان، أخيرا أن تركيا ستطلق قريباً حملة عسكرية ثالثة في سوريا، شرقي نهر الفرات. ستشن هذه الحملة على منظمة إرهابية تابعة لحزب العمال الكردستاني، وتدعمها وتساندها الولايات المتحدة. كان هناك تطور مهم آخر في المنطقة تمثل في إعلان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، سحب القوات الأمريكية من المناطق التي تسيطر عليها ميليشيا وحدات حماية الشعب. وعلى الرغم من أن فحوى هذا القرار ما يزال غير واضح، فإن نتائجه ستكون ذات تأثير كبير.
ترى تركيا أن الولايات المتحدة، حليفها الاستراتيجي في الناتو، ما تزال تدعم المنظمة الإرهابية التي كانت تهدد السيادة التركية لما يقرب من 40 عاما. نشر الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني، وبالتحديد وحدات حماية الشعب الكردية، قوات عسكرية على طول الحدود التركية تحت أسماء مختلفة ونفذ تغييرا ديموغرافيا ممنهجا في المناطق التي يشكل العرب أغلبية فيها، حيث إن نحو 94% من سكان مدينة منبج وأكثر من 90% من سكان الرقة هم من العرب. وكان طلال سيلو، المتحدث السابق باسم قوات سوريا الديمقراطية - وهي مجموعة تهيمن عليها وحدات حماية الشعب- قال في مقابلة مع وكالة الأناضول التركية بعد فراره إلى تركيا في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، إن قوات سوريا الديمقراطية كانت "مجرد اسم" يستخدم لتغطية الدعم الأمريكي للجماعة الإرهابية.
تعرضت عملية أستانا للسلام في سوريا التي أطلقتها أنقرة وموسكو وطهران في بداية عام 2017، لهزة شديدة، ولكن هذا المسار يلبي حاجة ماسة لدى الضامنين الثلاثة والمعارضة والنظام السوري. ومن ثَم عقد وزراء خارجية الدول الثلاث أخيرا اجتماعًا مهمًا في جنيف، حيث توصلوا إلى اتفاق حول بناء سوريا جديدة من خلال المساعدة في وضع دستور جديد للبلاد.
وقد ساعدت نتائج محادثات السلام الأخرى على وقف مشروع الفصل والاستيطان الذي تدعمه واشنطن بحجة هزيمة داعش، وهو المشروع الذي لا يهدد تركيا فحسب، بل وحدة أراضي سوريا. ما يزال أمام أصحاب المصلحة الرئيسيون الثلاثة الكثير للقيام به في سوريا، وخاصة في إدلب، حيث تصنف بعض الفصائل بالإرهابية، وفي المناطق الشمالية الشرقية حيث تسيطر وحدات حماية الشعب سيطرة كاملة.
في مقابلة مع موقع "روسيا اليوم" الروسي باللغة الفرنسية، اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الولايات المتحدة " بمحاولة إقامة "شبه دولة" في سوريا، وإيجاد ظروف عيش عادية لحياة الناس، وإيجاد هيكل سلطة بديل للهيكل الشرعي للحكومة السورية".
تحاول الولايات المتحدة، من خلال دعم وحدات حماية الشعب وتجاهل وجهة نظر تركيا والتهديدات التي تواجهها، إضفاءَ الشرعية على مشروعها وحماية الأرض التي تسيطر عليها بعد هزيمة داعش. وما لم يتغير سلوك الولايات المتحدة، فيمكن توقع أن يقبل المشاركون في محادثات جنيف بوجود ممثل عن وحدات حماية الشعب بجوارهم على الطاولة نفسها، لا سيما بالنظر إلى أن الجماعة الإرهابية قد سيطرت على مساحات ضخمة من الأراضي في سوريا. ما تزال تركيا والنظام السوري تعتبران وحدات حماية الشعب منظمة غير شرعية مماثلة لداعش وجبهة النصرة.
إن تركيا جادة جداً في تحذيراتها وستضرب بالتأكيد الأهداف التي تهدد أمنها القومي. على أنه لا يُتوقع حدوث أي صدام بين الولايات المتحدة وتركيا على الأرض في سوريا، وإذا كان قرار ترامب الأخير أثبت ذلك، فإن العلاقات المتوترة أصلاً قد تزداد توتراً. إن أي صدام بين قوتين من حلف شمال الأطلسي سيكون في صالح روسيا، وأي نزاع ينشب بين الطرفين سيزيد من تعقيد الوضع. أما روسيا، فهي لا تريد وقوع أي اشتباكات مع القوات المدعومة من الولايات المتحدة، وتركت تركيا بذكاء لإنجاز مهمتها في شمال سوريا، سواء من خلال عملية درع الفرات وعملية غصن الزيتون في الماضي، أو عملية عسكرية ثالثة وشيكة.
كشف تقرير لمنظمة العفو الدولية في تعام 2015 أن القوات التابعة لحزب العمال الكردستاني في شمال سوريا ربما ارتكبت جرائم حرب في إطار حملة التهجير وهدم المنازل التي تستهدف في الغالب السكان العرب المحليين. وقالت لاما فقيه، المسؤولة البارزة في منظمة العفو الدولية: "من خلال هدم منازل المدنيين عمداً، وفي بعض الحالات تجريف وحرق قرى بأكملها، وتهجير سكانها دون أي أسباب عسكرية مبررة؛ فإن إدارة الحكم الذاتي تسيء استخدام سلطتها وتخرق القانون الإنساني الدولي بوقاحة. لا يمكن لحزب الاتحاد الديمقراطي المرتبط بإدارة الحكم الذاتي التابعة لحزب العمال الكردستاني، استخدام حربه ضد الإرهاب كذريعة لانتهاك حقوق الأفراد في المناطق الخاضعة لسيطرته".
وباختصار، فإن التطورات في شرق الفرات تمثل أكبر خطر على مستقبل سوريا ووحدة أراضيها ودورها الجيوسياسي، كما تضع أمن تركيا وسيادتها في خطر. ستختبر علاقة الولايات المتحدة مع تركيا على الأرض في سوريا بمجرد بدء العملية العسكرية. بيد أنه حتى الآن يمكن وصف انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة على أنه تطور إيجابي للعلاقات الثنائية بين تركيا والولايات المتحدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس