فهد الرداوي - خاص ترك برس
نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وعوده بالانسحاب من سوريا وحدد مدة هذا الانسحاب الذي بدأ فعلاً , بفترة زمنية تمتد لحوالي الثلاثة أشهر تقريباً , مُعللاً ذلك (بأن تلك القوات أنجزت مهمتها بهزيمة تنظيم الدولة ولا مبرر لوجودها في سوريا) .
ولهذا الانسحاب دلالات كثيرة و اسقاطات عديدة , فهو لم يكن مفاجئاً أبداً لأنه أُعلن بأكثر من مناسبة , ولكنه جاء على غير المتوقع في منظور سرعته وتزامنه مع العواصف السياسية التي تشوب البيت الأمريكي الداخلي أدت لاستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس , هذا من جهة , ومع تلك الحشود الهائلة للجيش التركي والجيش السوري الحر على الحدود (السورية - التركية) من جهة أخرى , وهنا لابد من تفنيد بعض القراءات لاستثنائية هذا القرار وزمنه .
أمريكا لا تقفز في الهواء:
تعتمد الولايات المتحدة في سياساتها الخارجية على الدول المحاور وقد تلجأ أحياناً لعوامل توظيفية تتمثل بإشراك مليشيات ذات مواصفات معينة , تستخدمها كحلول زمنية مؤقتة لضمان أهداف معينة تحقق من خلالها مصالحها الجيوسياسية والإستراتيجية , فمن طالبان وما سبقها إلى الميليشيات الكردية الانفصالية وما سيلحقها , وقد تُصاب بعض هذه الأدوات الوظيفية بداء الغباء وتعتبر نفسها حليفاً أو شريكاً استراتيجياً للولايات المتحدة , وينبع ذلك من جهل هذه الأدوات لمضمون البرامج الدولية ومفاهيم التحالفات فتسبح في فضاء خيالها , وربما تكون الرسالة الأمريكية الأهم من قرار الانسحاب هذا , هو أن الولايات المتحدة لا تريد (سايكس بيكو) جديدة في المنطقة ولم يعد في الوجه ألوان وعلى الجميع أن يتعامل مع الواقع التحالفي أو التفاهمي الجديد كما هو .
الانسحاب الأمريكي وعناوين المرحلة القادمة :
ربما يكون دفء العلاقات الأمريكية – التركية من جهة وانسجام العلاقات الروسية – التركية من جهة أخرى هو العنوان الأبرز في هذا السيناريو , فصفقة تسليم منظومة الباتريوت الأمريكية لتركيا أصبحت واقعاً , وتنفيذ تسليم منظومة الـ S300 الروسية لتركيا مسألة وقت لا أكثر , وهنا بيت القصيد , فمع وجود القاسم المشترك بين روسيا وأمريكا تُصبح مسألة التفاهمات أمراً حتمياً , فتركيا هي دولة حليفة للولايات المتحدة تحت مظلة الناتو وهذا أمرٌ واقع , وتركيا هي الجسر الاقتصادي للغاز الروسي هي أيضاً الحليف الهام والقاعدة الاقتصادية المتقدمة لموسكو في العمق الأوروبي , فضلاً عن الشراكات الكثيرة والمتنوعة بينهما , ومع وجود هذه التقاطعات والشراكات الهامة , يُصبح الأمر أكثر انسيابية وثقة , لتكون بذلك تركيا هي الرابح الأكبر وعنواناً توازنياً للمرحلة القادمة وما إطلاق يدها للقضاء على خصومها بمباركة أمريكية – روسية إلا خير دليلٍ على ذلك .
السيناريو العسكري واحتمالات التصادم :
ربما يكون هذا السيناريو هو الأسوأ على الإطلاق , عن حدث فعلاً , لاحتمالية نشوب تصادمات لا تُحمد عقباها , فتركيا اتخذت قرار تأجيل عمليتها العسكرية وعنونتها بجملة ( التأجيل لا يعني الإلغاء) وهنا دليل قاطع على أن تركيا عازمة بالمضي في تنفيذ عمليتها العسكرية , ولكن وجود بعض العوائق , أجبرها على التأجيل , وهنا إشارة هامة على الدعم الفرنسي المستمر لقوات "قسد" ما يجعل تركيا في احتمالية تصادمية عسكرية مع حليف الناتو الفرنسي , وتحتاج تركيا للتريث قليلاً لمعالجة الأمر .
ويضع هذا السيناريو أيضاً جميع الأضداد على خط تماس واحد , فقوات "قسد" كانت قد هددت بإطلاق سراح المعتقلين الجهاديين من داعش , وسارعت أيضاً لإبرام اتفاقيات سرية عاجلة مع النظام الأسدي تحت مسمى حماية السيادة الوطنية السورية , وقوات النظام الأسدي تُلامس مناطق تواجد القوات المشتركة التركية مع الجيش السوري الحر , والقوات الإيرانية "المُهجنة بعدة جنسيات طائفية" أيضاً مرابطة في ريف دير الزور , أي أنها على خط التماس هذا وتنتظر دوراً جديداً تضغط من خلاله لتأجيل ضربة عسكرية أمريكية محتملة بانت ملامحها بشكل واضح جداً ستكسر ظهر إيران وتقطع يدها في المنطقة "إن تمت" , لذا هي تحاول لعب دور ما لتفاوض به على انسحابات أو مقايضات تُجنبها هذه الضربة .
الجميع بحالة ترقّبٍ وحذر , وإذا لم تعد الأطراف الهائمة إلى العقلانية السياسية وتبتعد عن حرب الوكالات وتحقن الدماء , فسوف تكون المنطقة أمام فصل جنوني واقتتال دامٍ ومصيرٍ ربما يكون الاندثار نصيب بعض الأطراف منه , ولن يصمد البشر ولا الحجر أمام آلة عسكرية طاحنة , سيكون لها الصوت الأعلى في هذا المشهد .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس