ترك برس
على الرغم من أن قمة سوتشي الثلاثية لم تحظ باهتمام كبير في الصحافة الغربية، فإن المحلل الأمريكي سكوت ماكدونالد، رأى أن بروز هذه القمة إشارة إلى أن المشهد الجيوسياسي الأوراسيوي يشهد تغيرات كبيرة؛ حيث إن المنافسين التقليديين الثلاثة أصبحوا أكثر ميلاً إلى العمل معاً لتحقيق أهداف مشتركة في مكافحة الإرهاب الغربي، واتخاذ سياسة حذرة تجاه الصين.
وأضاف ماكدونالد في مقال نشرته مجلة ناشيونال إنترست، أن تجمع سوتشي الذي يجمع بين تركيا وروسيا وإيران، على الرغم من أنه لا يشكل تحالفًا متماسكًا، فإنه يقدم نموذجًا مضادًا لصعود القوة الصينية في الشرق، ولأوروبا في الغرب، كما أنه يوفر نقطة مقابلة للولايات المتحدة.
وأوضح أن تركيا وإيران وروسيا لديها بالـتأكيد أهداف مختلفة في سوريا، لكن لديها أهداف متداخلة في بقية أنحاء أوراسيا، وتواجه مخاطر أن تصبح امتدادات اقتصادية للصين، علاوة على توتر علاقات الدول الثلاث مع الغرب.
وإذا كان التوتر مع الغرب يدفع الدول الثلاثة إلى التقارب فيما بينها، فإن الصين قوة أخرى تدفعها إلى مزيد من التقارب، حيث بدأت بكين منذ مطلع القرن الحالي في استعراض عضلاتها الاقتصادية والسياسية في سعيها لإحياء طرق الحرير القديمة التي تربط بين الصين وأوروبا بشبكة واسعة من وسائل النقل والتجارة.
وقد ضخت مبادرة الحزام والطريق الصينية وبنك الاستثمار الآسيوي مليارات الدولارات في البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والموانئ والطاقة وغيرها من المناطق لتحويل أوراسيا إلى سوق واحدة كبيرة للسلع والاستثمارات الصينية بالإضافة إلى جعلها منطقة نفوذ لبكين.
وأوضح أن الصين برزت في البلدان الثلاثة كواحدة من كبار الشركاء التجاريين؛ إذ إنها سوق التصدير الرئيسية لكل من إيران وروسيا. كما ضخت الصين استثمارات أجنبية مباشرة كبيرة في إيران وروسيا، حيث بلغت الاستثمارات الصينية في روسيا والعقود المبرمة معها 47.2 مليار دولار، في حين تلقت إيران 27 مليار دولار خلال الفترة من 2015 وحتى 2018.
كما اجتذبت تركيا الاستثمارات الصينية التي بلغت 15 مليار دولار خلال نفس الفترة، حيث ترى الشركات الصينية في تركيا مركزا لوجستيا جذابا يمكن أن يكون بوابة لأوروبا وأفريقيا.
وأشار المحلل الأمريكي إلى أن الصين رغم ذلك تشكل نقطة قلق بالنسبة لأنقرة وموسكو وطهران. وبين أن الصين تمثل قوة عظمى اقتصادية هائلة عبر الأراضي الأوراسيوية وتهدد بتجاوز مناطق نفوذ الدول الثلاثة، بما في ذلك آسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا الشرقية (مفتاح مخاوف روسيا الأمنية).
ومن نقاط الاحتكاك الأخرى معاملة الصين القاسية لأقلية الأويغور المسلمة في إقليم شينجيانغ غربي الصين. وقد دعت تركيا الصين إلى احترام حقوق الأتراك الأويغور وإغلاق معسكرات الاعتقال.
ولفت ماكدونالد إلى أن تركيا وروسيا وإيران وجدت في سوريا ما يدفعها إلى العمل معا، حيث إن المصلحة المشتركة للدول الثلاثة هو تحقيق الاستقرار السياسي وخروج القوات الأمريكية والفرنسية والبريطانية، وعدم عودة تنظيم الدولة (داعش).
بالنسبة لإيران، تستند أهمية سوريا إلى كون قيادتها علوية مؤيدة لطهران فضلاً عن كونها جزءاً من سلسلة لدعم لحليف إيراني آخر، هو حزب الله في لبنان. كما أن انتصار طهران في سوريا هو انتصار لها في حربها الباردة مع السعودية، وهي الحرب التي أصبحت عاملا رئيسيا في جميع أنحاء المنطقة.
وبالنسبة إلى روسيا فإن أهمية سوريا تكمن في أنها تبين أن روسيا قد عادت كقوة عظمى، وأنها تمنح موسكو موانئ على المياه الدافئة وقواعد جوية تمكنها من استعراض قوتها العسكرية، ومكان يمكنها من اختبار أسلحة جديدة وتعزيز التجربة القتالية لجيشها. وترغب كل من موسكو وطهران في أن يعيد نظام الأسد فرض سيطرته على بقية سوريا وإنهاء النزاع.
أما أهمية سوريا الاستراتيجية بالنسبة إلى تركيا فترجع إلى مخاوفها من سعي التنظيمات الموالية لتنظيم "بي كي كي" إلى "تحريض الأكراد الأتراك على التمرد بحثاً عن دولتهم المستقلة". وتريد تركيا إنشاء منطقة عازلة بين مناطقها الجنوبية الشرقية وشمال وشمال شرق سوريا.
ولفت المحلل الأمريكي إلى أن أفغانستان تشكل اختبارا آخر للعلاقة بين تركيا وروسيا وإيران، بعد إعلان الولايات المتحدة أنها ستنسحب من هناك. وتهتم الدول الثلاثة بنتائج الاتفاق بين الولايات المتحدة وحركة طالبان حول مستقبل البلاد، ولا تريد أي منها جولة أخرى من الفوضى السياسية في الجوار، خاصة أنها يمكن أن تمتد إلي بلدان أخرى، مثل باكستان والصين والهند.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!