ميرا خالد خضر - خاص ترك برس
قطعت السينما التركية أشواطا وخطوات عملاقة نحو التميز خلال الفترات الأخيرة وتبوأت مكانة جد مرموقة في الوسط السينمائي العالمي، وذلك لما حققته من نجاحات هامة من الناحية التقنية لتفرض نفسها بقوة وتحصد جوائز هامة في المهرجانات العالمية مثل مهرجان كان بفرنسا ومهرجان الدب الذهبي بألمانيا، وذلك يعود إلى ما اتبعته من منهجية موفقة في المنحى القصصي والسردي لأفلامها والإخراج والتصوير المميزيين، وقد بدأت هذه التحولات بالأخص منذ منتصف التسعينيات لتصبح خلال السنوات الـ12 الأخيرة النقطة البارزة في الصناعة السينما والمسلسلات التركية، فلم يعد التمثيل في تركيا حكرا على فئة معنية من العصاميين فقد صار يدرس بشكل أكاديمي في المعاهد والمراكز التعليمية الحكومية منها والخاصة، ويعتمد فرع السينما في هذه الجامعات على قسميه النظري والتطبيقي، ويتخرج سنويًا عدد هام من المخرجين والمنتجين وكتاب السيناريو وغيرهم وناهيك عن الأبحاث الأكاديمية الكثيرة التي تتناول موضوع التمثيل كمادة للبحث.
أثر المرأة التركية على تطور السينما والأفلام
قطعت الممثلات والشخصيات النسائية في السينما والمسلسلات التركية شوطًا كبيرًا، لتمثل أدوارًا متنوعة وتؤثر بشكل إيجابي وفعال في مجال التمثيل على رغم النكسات وصعوبات في مراحل تطور السينما والمسلسلات في تركيا، حيث سلطت السينما الضوء على تغيّر صورة الأنثى التركية بالأخص اجتماعيا وثقافيا في عالم الشاشة الكبيرة، حيث كان التمثيل حكرا على غير المسلمات وينظر للتمثيل قديما في المجتمع التركي المحافظ بعدم الرضى، حيث كانت جل الممثلات في الأفلام التركية القديمة من أصول روسية أو أرمنية أو الأقليات غير المسلمة وحتى الرجال الذين كانوا يمثلون أدوارا خاصة بالنساء حيث كانت محظورة على المسلمات، وينظر إليها على أنها فن ينتهك المحرمات، ولكن تغير هذا المجال وتطوره مع مرور الزمن وتغيرت بذلك نظرة المجتمع للتمثيل وصار وجود النسوة في مجال السينما أمرا عاديا وحتميا...
كانت بدايات السينما والأفلام التركية متواضعة وكلفتها الإنتاجية بخسة، مثل فيلم المخرج أوغوز غوزن الأخير عام 1910 لبطولة نسائية محضة واسمه "في ليلة ماطرة" وهو فيلم يدور عن نموذجين من النساء التركيات ويتتبّع الفيلم شخصيتين، الأولى تترك طفلها للسفر لتذهب لامتهان الغناء، والثانية تعمل في ناد ليلي ثم تترك عملها للاعتناء بالطفل، ويجمع "ليلة ماطرة" اختلاف نظرة المرأة إلى الحياة بين الأمومة والنوادي الليلية وفي نهاية الفيلم يأتي العقاب للأولى جزاء التخلّي عن الأمومة، والثواب الثانية التى تركت كل شيء وراءها من أجل طفلها...
وكان الفيلم الوثائقي بعنوان "انهيار النصب الروسي في آياستوفونوس" الذي صوره فؤاد أوز قيناي عام 1914، قفزة نوعية حيث اعتُبِرَ بمثابة أول فيلم سينمائي تركي، وكذلك فيلم "زواج همت أغا" الذي بدأ تصويره عام 1914م، كما تم في الفترة ذاتها تصوير أفلام إخبارية عن الحرب العالمية الأولى وإخراج عدد من الأفلام الأخرى. وفي عام 1920 ارتقت خشبة المسرح أول ممثلة تركية مسلمة وهي "عفيفة جالي"، وشرّعت مسيرتها المهنية في التمثيل الأبواب أمام غيرها من التركيات في المسرح والسينما..
وكانت أولى السيدات اللواتي ولجن عالم التمثيل السينمائي التركي بين عشرينيات القرن الماضي وثلاثينياته هنّ: فريدة توفيق، وهي أول ملكة جمال في تركيا إثر مبادرة مصطفى كمال أتاتورك إلى تنظيم مسابقات جمال، وسميحة بيركسوي وهي مغنية أوبرا مثّلت وغنّت في أول فيلم غير صامت، وعصمت سيري وهي أول ممثلة تؤدي دورًا في فيلم تصدّر شبّاك التذاكر "أنقرة بوستاسي" (بريد أنقرة)، كما برزت "جاهيدة سونكو" نجمة في سماء الشاشة التركية، وقورنت بنجمات هوليوود من أمثال غريتا غاربو وأنغريد بيرغمان ومارلين ديتريش، وفي الثلاثينيات تربّعت "جاهيدة سونكر" من غير منازع على عرش السينما وإلى دور الحسناء محطمة القلوب على الشاشة وراجت صورها في الحياة العادية، وكانت أول ممثلة تؤدي دور البطولة الاحادية في فيلم "بنت الأحياء الفقيرة" وكانت أول كاتبة سيناريو ومخرجة في فيلم "الوطن ونامق كمال"..
وفي العقود التالية اقتصرت الأدوار النسائية على دوري السيدة الخيرة والسيدة الطالحة، فتوزعت الأدوار النسائية على دور الأم المضحية والشابة العذراء الشريفة أو المرأة الفاتنة والغاوية، وحين تجولت عدسة الأفلام في الأرياف التركية سلّطت الضوء على دور النساء المنزلي والأمومي وإذا خسرت امرأة "نقاءها" فمصيرها القتل أو الماخور..
في الفترة الأخيرة ومع دخول المرأة التركية لعدة مجالات حيوية منها السياسة، كانت السينما ليست بالبعيدة فكان لتطور وتعليم المرأة أثر واضح في السينما حيث صارت تقدم مواضيع عن المراة التركية المعاصرة وأسلوبها في الحياة وبارتفاع نسبة المهتمين بالمجال السينمائي في تركيا سواء أكان ذلك من ناحية الإنتاج أوالمشاهدة، فإن النسبة الانتاجية للأفلام قد ارتفعت أيضاً (181 فيلم تم إنتاجه لسنة 2015، تم مشاهدة أحسنها من طرف ملايين المشاهدين حول العالم)، كما أن صالات العرض لم تعد كما في الماضي تهتم بعرض الأفلام الهوليودية فقط وإنما صارت تتصدر الافلام التركية الصالات العروض والعالمية منها والمميز لسنيما التركية وجود المراة التى تضفي جانب الدرامي والتي دفعت بالسنيما والافلام الدرامية التركية لتعيش عصرًا ذهبيًا خلال 12 عاماً مضت وخاصة بعد دخولها القنوات العربية عبر مسلسل "نور" كأول عمل درامي تركي مترجم، تبعته عشرات الأعمال لأفلام ومسلسلات تركية والتى لم تترجم للغة العربية فقط بل ترجمت إلى عدة لغات من طرف شركات الدوبلاج في العالم وعرضت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأوروبا الشرقية والغربية وآسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية؛ حيث تم ترجمة 150 فيلمًا ومسلسلًا تركيا كانت جل أدوار البطولة فيها لنساء،لتعرض في أكثر من 156 دولة مختلفة، وتمت مشاهدتها من قبل أكثر من 500 مليون شخص..
ومن أهم المسلسلات التركية حديثا "قيامة أرطغرل" الذي كانت من أهم أبطاله نساء، عُرض هذا المسلسل على شاشات نحو مئة دولة، وتابعه أكثر من نصف مليار مشاهد، بحسب رئيس اتحاد التجار والحرفيين الأتراك بندفي بلاندوكان، والذي أكد كذلك أن عائد تصدير الدراما التركية يصل إلى 350 مليون دولار سنويًا، وفق ما نقلته عنه صحيفة "حرييت".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!