شؤون خليجية - مي محروس
في حوار خاص مع "شؤون خليجية"، كشف محمد زاهد جول - المحلل السياسي التركي والباحث المتخصص في العلاقات التركية العربية - العديد من الأسرار عن العلاقات التركية السعودية، والتركية الإماراتية، يتبين من خلالها عدم دقة ما يشاع عن توتر في تلك العلاقات، كما أكد "جول" أن التعاون العسكري التركي السعودي قفز قفزات نوعية في الآونة الأخيرة، وأن التعاون الأمني والاستخباراتي لم يتوقف بين البلدين.
* العلاقات التركية الخليجية شابها توتر في الفترة الأخيرة، فهل تستطيع تركيا أن تبني علاقة متوازنة أكثر في الفترة الحالية؟
- عندما نتحدث عن دول الخليج نتحدث عن عدة دول، والتوتر الذي حدث فعليا كان مع دولتين تحديدا وليس مع دول الخليج، الدولتان هما السعودية والإمارات. لكن العلاقات مع قطر مثلا ممتازة، وربما خطت خطوات استراتيجية مهمة، وكذلك العلاقة مع سلطنة عمان علاقة مميزة أيضا.
أما العلاقة مع الكويت فنستطيع أن نقول إنها جيدة وممتازة، وقد رافقت في بداية شهر أبريل 2014 رئيس الجمهورية التركي عبد الله جول، مع عدد من الوزراء، ولا أتحدث عن الحفاوة في الاستقبال، ولكن أتحدث عن عدد الاتفاقيات العسكرية والاستراتيجية التي تم توقيعها مع الكويت على مستوى الوزارات، وكانت نقطة مهمة للغاية في العلاقات التركية الخليجية، ومع الكويت بالتحديد.
نعود للعلاقة مع السعودية، فقناعتي الشخصية أن العلاقة ليست على هذا القدر من السوء كما يشاع، فالعلاقات التركية السعودية في أفضل حالاتها، على مستوى المؤسسات (أمنيا واقتصاديا وعسكريا) وعلى مستوى تدفق الاستثمارات والسياحة السعودية ظلت الأعلى عربيا في مجال السياحة والاستثمارات وبالأرقام.
وسأكشف سرا اليوم، وهو أن التعاون التركي السعودي العسكري قفز قفزات نوعية خلال السنتين الأخيرتين، فهناك مصنع تركي عسكري موجود بالقرب من الرياض، كما أن التعاون الأمني والاستخباراتي لم يتوقف بين البلدين.
وقد زار الملك سلمان تركيا (وقت أن كان وليا للعهد) منذ عام ونصف، وكانت أرفع زيارة ربما خلال السنة ونصف الماضية، وتخلل زيارته هذه توقيع اتفاقيات في الجانب العسكري.
هناك توتر نعم، وسببه موقف تركيا من دول الربيع العربي، وبالتحديد منذ قال أردوغان للمخلوع المصري مبارك: "ارحل".
فالملك عبد الله كان ينظر إلى تركيا على أنها شريك استراتيجي، وزار تركيا من قبل، وكان يعتبر أول ملك يزور تركيا، وتم الاحتفاء به بشكل كبير، وكانت العلاقات مميزة في عهده.
ولكن موقف أردوغان من الربيع العربي بالنسبة للملك عبد الله تحديدا ولحاشيته كانت النقطة التي لم تغتفر لأردوغان، وربما مر أكثر من عام ونصف لم يتحدث الرجلان (أردوغان وعبد الله) ولو مجرد اتصال هاتفي، على الرغم من ذهاب أردوغان للسعودية في زيارات شبه رسمية في العزاء، سواء في مناسبة العزاء في وفاة الأمير نايف أو الأمير سلطان، ولكن لم يتم استقباله من قبل الملك.
وهناك مثل آخر قوي سأضربه في عدم تأثر العلاقات بشكل فعلي على مستوى الدولتين: فقد تحدث وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة السعودي السابق "سليمان أبا الخيل" عندما كان رئيسا لجامعة الإمام، بأبشع الألفاظ في حق الرئيس الحالي لتركيا، وربما تمت ترقية "أبا الخيل" ومكافأته لهذه الأخلاق ليكون وزيرا للشؤون الإسلامية والأوقاف!.
هذا الوزير تمت إقالته في عهد الملك سلمان الآن، الذي نشكره على هذه الخطوة، وكان لابد أن يقال.
ورغم ذلك لم تأخذ تركيا في حينها أي موقف رسمي ولم تطالب السعودية بالاعتذار، بل كانت هناك زيارة منذ شهر تقريبا من رئيس الشؤون الدينية التركي لوزارة الأوقاف في عهد "أبا الخيل"، فالعلاقة بين المؤسسات ظلت كما هي.
* كيف يمكن إذًا تفسير ذلك في إطار الخلاف المعلن بين البلدين؟ هل هو إعلامي فقط؟ وهل مقصود تصويره هكذا في حين أن الواقع مخالف – على حد قولك -؟.
- هناك تطرف إعلامي هنا وهناك، ولكن لا يمكن أن نقول أن الإعلام بمعزل عن الرؤى السياسية. مثلاً ما تنتهجه جريدة الشرق الأوسط أو قناة العربية لا يمكن أن يعبر عن شخوص القائمين على هذه المؤسسات، إنما يعبر – شاءوا أم أبوا – عن وجهة نظر الدولة وعن التوجهات العامة للسعودية.
حتى من خلال "تويتر" فإننا نرى أناسًا مقربين من السلطة أو من تم ترقيتهم في العمل السياسي لم يتوفر في انتقاداتهم الكثير من السياسات التي تنتهجها المملكة، بل كان هناك اتهامات شبه مباشرة لتركيا من بعض رجال الإعلام والصحافة الذين لهم ثقلهم في الإمارات على سبيل المثال في أعمال الشغب الأخيرة بل تقديم الدعم لها، وإن لم يصدر أي تصرف في الإطار الرسمي.
الخلاف حاد جدًّا إعلاميا في السنوات الثلاث أو الاثنتين الأخيرتين، فعندما ننظر لوسائل الإعلام السعودية أو المقربة من السعودية بشكل عام، وتناولها للمسألة التركية الداخلية والخارجية سنجدها كأنها تمارس أعمال المعارضة التركية، وتوجه سهام النقد لشخص رجب طيب أردوغان بشكل مباشر.
الأمر نفسه وبأقل حدة بكثير تتم ممارسته في بعض وسائل الإعلام التركية تجاه السعودية والإمارات، وإن كان الحضور العربي في الإعلام التركي أقل بكثير من حضور تركيا في الإعلام العربي.
أما عن العلاقات التركية الإماراتية، فلابد أن نفرق بين دبي وأبوظبي، فسياسة محمد بن راشد أعتقد أنها سياسة رجل اقتصادي "تاجر" بالدرجة الأولى، وليس للجانب السياسي أهمية عنده، لذلك يحاول أن يتعامل مع جميع الأطراف ويحاول أن يمسك العصا من المنتصف.
هذا الأمر تحديدا لاحظناه في علاقة دبي مع الإخوان المسلمين في مصر، ففي رأيي أن علاقة دبي مع الرئيس مرسي والإخوان في مصر لم تكن سيئة، ولم تتخذ نهجا عدائيا واضحا كما فعلت أبوظبي، فقد أبقت دبي على "شعرة معاوية"، وابتعدت عن الواقع الخليجي نسبيا.
هذا الأمر ذاته ينطبق على تركيا، حيث وجدنا دبي تنأى بنفسها عن كثير من الجدل السياسي الموجود حاليا، وعما تنتهجه العاصمة أبوظبي، وتتمتع بعلاقة مميزة مع تركيا، وربما نستطيع أن نقول إن العديد من الشركات التركية تعمل بشكل دائم هناك، كما أن الاستثمارات حاضرة هنا وهناك، وربما تتحسن. وأعتقد أن دبي تحديدا مؤهلة للعب دور الوسيط إن طُلب منها ذلك.
* كيف ترى تصريحات ضاحي خلفان المسيئة دائما لتركيا وأردوغان؟
- تصريحات هذا الرجل لا تستحق الرد ولا التعليق، ولا أظن أنه يعبر عن وجهة النظر الإماراتية، ولا عن مكتب محمد بن راشد، ولو سئلوا لأجابوا بهذه الطريقة. هو مطلوب منه فقط أن يؤدي هذا الدور، وقد يكون متطوعا لتأديته وإطلاق هذه التصريحات.
نفس المنطق موجود في تركيا، فهناك البعض الذين ينتقدون السياسة الخليجية بشكل حاد، ولكنهم لا يعبرون عن وجهة نظر الدولة ولا الحزب الحاكم، حتى لو كان نائبا بالبرلمان.
أبوظبي ينطبق عليها ما تحدثت عنه في البداية عن العلاقة السعودية التركية، وإن كانت تمثل في الحقيقة أبرز وجوه الثورة المضادة في العالم العربي، وهي التي تلعب دور "الشرطي السيئ".
لكن مع ذلك ورغم كل التصريحات هنا وهناك، ورغم السياسات المتبعة، أستطيع أن أقول إن علاقات تركيا مع أبوظبي بشكل عام مقبولة.
وهذا سر آخر أفصح عنه: شركة "تاو" التركية هي التي بدأت بالفعل منذ شهر تقريبا في تشغيل مطار أبو ظبي! وهذا مؤشر مهم إلى أن العلاقة التجارية والاقتصادية لم تتأثر.
نعم تم الحديث في الإعلام عن ابتزاز من الإمارات لتركيا وأن أبوظبي ستسحب بعض الاستثمارات على أثر الموقف التركي من مصر، وتم بالفعل سحب بعض الاستثمارات، لكن بالميزان التجاري العام، أرى أن العلاقة التركية الإماراتية حدث فيها تقدم لا تراجع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!