سمير صالحة - لبنان 24
العلاقات التركية السعودية كانت دائما تحت رحمة أكثر من عامل قومي ديني وتاريخي. نسمة بسيطة تحولت في أكثر من مرة إلى عاصفة تهدد مسار العلاقات التي حاولت أطراف داخلية وخارجية صب الزيت فوقها وتأجيجها للحؤول دون تحولها إلى نواة تحالف إقليمي يوسع رقعة الانتشار والنفوذ.
مرحلة الثمانينات شهدت رغبة مشتركة لدى البلدين في فتح صفحة جديدة مع تورغوت أوزال الرئيس التركي السابق الذي أبدى انفتاحه على دول المنطقة وتحديدا بلدان الخليج العربي. حروب الخليج ببعدها العراقي والإيراني كانت دافعا آخر لتوطيد العلاقات التركية السعودية على كافة المستويات. الحرب على الإرهاب ركزت هذا التقارب ببعده الإقليمي والدولي. لكن انفجار ثورات الربيع العربي وانتشارها وتشعبها واقترابها من قلب الخليج أقلق الرياض ودفعها للحيطة والحذر في مسار علاقاتها بأنقرة المنفتحة إلى أبعد الحدود على الإخوان المسلمين في المنطقة والمشجع الأول لهذه الانتفاضات العربية والخليجية.
القشة الفاصلة كانت أحداث مصر وما بعد إسقاط الرئيس حسني مبارك فتحولت إلى سبب آخر من أسباب التباعد وتضارب المصالح والحسابات حتى. لا بل هي وكما يرى العديد من الكتاب العرب والأتراك اليوم تحت تأثير الملف المصري بكافة تعقيداته الداخلية والإقليمية. تحسن العلاقات بين أنقرة والرياض لا يمكن أن يمر سوى عبر القاهرة وتحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة لا يمكن أن يتم دون دعم وتشجيع ووساطة سعودية حقيقية وهذه الرغبة غير معلنة حتى الساعة رغم كل ما يقال حول تحولات مرتقبة في السياسة السعودية تجاه تركيا.
"هل" كبيرة برزت إلى العلن في صفوف الأتراك والسعوديين مع وصول الملك سلمان إلى سدة الحكم.
هل يحدث حقا هذا التحول في السياسات السعودية حيال تركيا؟
هل يتخلى البعض عن إعلان الحرب على الإخوان الذين أبعدوا مصر عن عالمها العربي وقربوها أكثر إلى أنقرة وطهران كما يقال؟
هل كان غياب الرئيس المصري عن مراسم تشييع العاهل السعودي الملك عبد الله كان حقا مؤشرا على هذا التحول في السياسة السعودية حيال مصر وما يجري هناك؟
هل تكون التغييرات السياسية والإدارية والحكومية الأخيرة في المملكة بداية باتجاه السياسة العربية والإقليمية الجديدة للسعودية؟
هل كانت مشاركة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جنازة الملك عبد الله رسالة انفتاحية وبادرة تركية تشكل مقدمة لسياسة فتح الأبواب مجددا بين أنقرة والرياض؟
هل ستتساهل الرياض حيال السياسة المصرية التي تقوم على الاقتراب من المعارضة السورية والنظام في دمشق في وقت واحد تحت عنوان السياسة السورية المتوازنة وهي تعرف الموقف الخليجي والسعودي تحديدا حيال ملف الأزمة السورية؟
هل تنجح الرياض في تجاوز تشدد الإمارات مثلا في دعمها المطلق للرئيس المصري الحالي ولعب الكثير من الأوراق الاعلامية والسياسية ضد حكومة العدالة والتنمية بسبب الحرب التي أعلنتها على القيادة المصرية الجديدة
لا خلاف على أنّه:
طالما أن التصعيد هو سيد الموقف في العلاقات التركية المصرية فمن الصعب جدا أن نشهد هذا التحول الإيجابي في مسار العلاقات التركية السعودية.
القاهرة تستقبل الرئيس الروسي فلادمير بوتين. القاهرة تستعد لاستضافة اجتماع جامعة الدول العربية أيضا ولن يكون بعيدا حدوث زيارة قريبة للرئيس الإيراني إلى مصر طالما أنها تبدي رغبة في دفع مشروع المصالحة السورية السورية وتبتعد عن شحن الأجواء مع طهران في مناطق التقاطع الساخنة عربيا وإسلاميا مثل اليمن والبحرين.
كلام العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز الأخير حول أن موقف المملكة تجاه مصر واستقرارها وأمنها ثابت لا يتغير، وأن السعودية تقف إلى جانب الحكومة المصرية وشعبها.
وأن "ما يربط البلدين نموذج يحتذى به في العلاقات الاستراتيجية والمصير المشترك، وأن علاقة المملكة ومصر أكبر من أي محاولة لتعكير العلاقات المميزة والراسخة بينهما" رسالة تعني الأتراك قبل غيرهم أيضا.
تحذير وزير الاستخبارات الإسرائيلية يوفال شطاينتس من "مؤشرات التقارب" السعودي التركي، مشددا على أن "أي إعادة اصطفاف إقليمي في المنطقة تؤثر على مصالح إسرائيل" رسالة تعني الرياض وأنقرة بالدرجة الأولى.
"الربيع العربي" كان الخط الفاصل ربما بين تركيا والسعودية، فقد كان أردوغان أحد أكبر الداعمين للإخوان في مصر رغم معرفته أن قرارا من هذا النوع سيغضب الرياض ويعرض علاقاته بها للتدهور.
الرئيس التركي السابق عبد الله غُل يقول "قام الملك عبد الله بن عبد العزيز بزيارة تركيا بعد 40 عاما من آخر زيارة ملكية لتركيا قام بها الملك فيصل رحمه الله عام 1966، وكان ذلك في عام 2006، وكان قد زارها قبل ذلك عندما كان وليا للعهد. ولكنه زار أنقرة بعد ذلك بعام أيضا في ثاني زيارة ملكية لتقديم التهنئة عندما تم انتخابي رئيسا للجمهورية التركية. وفي تلك الزيارة كان من دواعي سروري تقليده لي وسام الملك عبد العزيز من الدرجة الأولى، وكنت قد قدمت إليه ميدالية الشرف للدولة".
ويتابع غُل "وأعتقد جازما أن العلاقات التركية - السعودية يجب أن تكون منيعة وراسخة وثابتة، وإذا كانت هناك مقاربات مختلفة بين البلدين في الفترة الأخيرة، فإنني أعبر عن أملي أن تحقق العلاقات بين تركيا والمملكة العربية السعودية صفحات لامعة في العلاقات المشتركة في زمن وجيز".
مؤشرات كثيرة تقول إن حلم عودة العلاقات التركية السعودية إلى سابق عهدها هو ليس مشروع الغد وكل حديث عن رغبة البلدين في تحويل علاقاتهما إلى تحالف استراتيجي إقليمي لن تكون واقعية مع الأسف وسط كل هذه الأكوام من الأسباب التي تقدم التباعد على التقارب بالمقياس التركي والسعودي للأمور.
قراءة عاجلة ليس لمسار العلاقات وحدها بل الحراك الإقليمي ككل تؤكد أن ضرب العلاقات التركية السعودية ليس مطلبا إسرائيليا فقط بل هو مطلب إيران والنظام في دمشق وربما واشنطن التي سيقلقها أن يتحول هذا التقارب إلى حلف أمني سياسي اقتصادي يرفع العالم الإسلامي من مرتبة إلى أخرى فلم لا تتم عرقلته بلعب كل الأوراق والفرص السانحة؟
بالغنا في التفاؤل ربما عندما قلنا إن قطع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، جولته في القارة الأفريقية، وتوجهه إلى السعودية للعزاء برحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز، وإعلان الحداد يوماً في بلاده، يندرج في اطار إدراك أنقرة لأهمية علاقتها مع الرياض، وضرورة تحسينها . وعندما راهنا على أن تكون زيارة الفرقاطة الحربية التركية "بويوك أضا" إلى ميناء جدة البحري في إطار مناورات عسكرية مع دول البحر الأحمر ترجمة مهمة لهذا الانفتاح.
الحماس دفع البعض لتحطيم أرقام قياسية في التفاؤل إلى درجة تدفعه للقول إنه بعد تسلم الملك سلمان بن عبد العزيز سدة الحكم في السعودية، تحركت المياه الراكدة في عدة ملفات، وتتطلع أنظار بعض المراقبين إلى زيارة للملك سلمان إلى أنقرة قريباً.
العاهل السعودي، الملك سلمان يعرف مسار العلاقات التركية السعودية اليوم أفضل من غيره وهو سيقرر ما ينبغي فعله بالطريقة المناسبة وعندما يحين الوقت فهو لم يتردد في دفع العلاقات بين البلدين عندما كان وليا للعهد نحو الأفضل من خلال عشرات العقود والاتفاقيات المتعددة الجوانب موليا الأهمية للتقارب في تبني المواقف إزاء عدد من قضايا المنطقة وعلى رأسها الملف السوري والفلسطيني.
ما قد يسهل الإجابة على الكثير من التساؤلات ربما هو الحراك المصري الداخلي الحقيقي باتجاه المصالحة السياسية والابتعاد عن أجواء التصعيد والتحدي والتصلب.
أقلام سعودية معروفة تدعونا للحيطة والحذر وهي تحدثنا عن الحاجة إلى غرفة عمليات مشتركة سعودية - أميركية - تركية وظيفتها إطفاء الحرائق. لكنها لا تتردد في القول إن العودة لن تكون مجانية على الطرف التركي، ولن يكفي تغير الوضع بين البلدين بتغير القيادة، فتركيا تحتاج إلى مراجعة سياساتها ومواقفها حيال الإخوان في المنطقة.
خبر لم يتم التاكد من مصداقيته تردد في اليومين الأخيرين يقول إن تركيا تدرس تقليص تواجد قيادات الإخوان المسلمين على أراضيها على غرار الخطوة التي قامت بها دولة قطر لكن ردة فعل الرياض الأخيرة حيال ما يشاع عن تباعد سعودي مصري تقطع الطريق حتما على أخبار من هذا النوع.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس