د. ياسر سعد الدين - خاص ترك برس
الانتخابات التركية المحلية والبلدية، أصبحت حدثا دوليا وإقليميا يلفت الانتباه وتتم متابعته بشكل حثيث تحبس معه الأنفاس وتنشد إليه الأبصار. هذا الاهتمام الكبير يعكس وزن تركيا الجديدة إقليميا ودوليا كما يؤكد استثنائية القيادة التركية ودورها ومكانتها.
ينبغي للمتابع للانتخابات التركية أن يأخذ في الحسبان العوامل التالية:
- الناخبون في الأنظمة الديمقراطية يميلون للتغيير -وهذه طبيعة بشرية- حتى لو حقق الحزب الحاكم نجاحات وإنجازات. فقلما تجد حزبا حاكما يتجاوز في النجاحات الانتخابية دورات ثلاثة.
- الكثير من الناخبين الشباب في تركيا بلغوا سن الرشد الانتخابي في ظلال حكم حزب العدالة. جيل تعود على الإنجاز ولم يمر بتجربة الحياة في مرحلة ما قبل العدالة على ما كان فيها من معاناة وإخفاقات. هولاء الناخبون يرون العثرات وقد اعتادوا على الإنجازات.
- مرت تركيا بأزمة اقتصادية قاسية وتلقت عملتها ضربات موجعة ومضاربات عنيفة، فارتفعت الأسعار وزادت نسبة البطالة بشكل مؤلم انعكس على حياة المواطن بشكل سلبي.
في هذا السياقات والأجواء الصعبة، توقع خصوم أردوغان خصوصا في الخارج، ان يتلقى الرجل نكسة انتخابية كبيرة تشعل حملات اعلامية وسياسية تشكك بالرجل وبالتعديلات الدستورية لعلها تكون بداية النهاية السياسية لأردوغان وحقبته. غير أن نتائج الانتخابات التركية بتقديري جاءت لصالح أردوغان وعززت وبشكل كبير من رسوخ حزبه ومكانته وقدراته للأسباب التالية:
- بالرغم من الظروف الاقتصادية التي يفترض أن تطيح بأي حكم أو حكومة في السلطة، إلا أن الصوت الانتخابي لحزب العدالة تقدم ولم يتراجع. هناك كتلة انتخابية متماسكة تتعامل مع أردوغان وحزبه من ناحية وطنية وأخلاقية ومبدئية وهذا تغيير كبير ليس فقط سياسي بل فكري واجتماعي وبنيوي.
- حقق حزب العدالة نجاحات كبرى في المناطق الكردية على حساب حزب الشعوب، وحين يؤكد الأكراد ثقتهم برجالات العدالة والتنمية فيما يخص شؤونهم الحياتية والبلدية، فنحن أمام مرحلة بداية تفكيك أخطر لغم لوث الحياة التركية السياسية والاجتماعية وعلى مشارف حل للقضية الكردية ينصف الأكراد ويقوي تركيا في أجواء إقليمية طائفية وعرقية ملتهبة.
- لقد أظهر حزب العدالة قدرة كبيرة للاستماع إلى الناخب التركي بتواضع واهتمام، وعن إمكانية واضحة في النهوض من العثرات، والتعلم من الأخطاء. قدرة الحزب الحاكم على التجديد ومرونته واعترافه بأخطائه تعزز من مكانته وقدراته ودوره الحالي والمستقبلي.
الانتخابات التركية عززت من مكانة أردوغان كقائد وزعيم ورجل دولة وسيتعامل معه الغرب بطريقة أكثر حذرا وتقديرا. فالرجل أصبح رمزا لتركيا وللإصرار والإرادة. يكفى أردوغان وحزبه من إنجاز ومكانة بأن جعلا من انتخابات تركية محلية حدثا عالميا تتابعه العواصم الدولية باهتمام وترقب كبيرين.
المواطن العربي يتابع الانتخابات التركية بتلهف واهتمام وإن كان ممزوجا بألم وحسرة على أوضاع بلاده العربية التي تعاني من حكومات وحكم موغل في الفساد والاستبداد والتبعية. غير أن أطرف ما في المشهد العربي من كوميديا سوداء، إعلام دول يحكمها أوثان سياسية بلا إرادة ولا مكانة، يهاجم أردوغان وينال منه ويتهمه بالاستبداد والدكتاتورية ثم يحتفل بصخب ونشوة بفوز حزب المعارضة ببلدية العاصمة أنقرة!!
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس