إسماعيل نعمان تيلجي - The New Turkey - ترجمة وتحرير ترك برس
تابعت الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية بقلق وحذر أنشطة تركيا المتزايدة في شرق البحر المتوسط. تشعر الإدارة اليونانية لجنوب قبرص بالانزعاج من الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها تركيا في المنطقة. ووجهت نيقوسيا انتقادات قوية لتركيا، وهددت أنقرة بتجميد الأموال من الاتحاد الأوروبي، كما دعا الجانب اليوناني إلى إقامة تحالفات إقليمية ودولية للضغط على تركيا حتى توقف البلاد أنشطتها في شرق المتوسط.
وجاءت ردود الأفعال تلك بعد أن بدأت سفينة الفاتح التركية أول عمليات التنقيب عن النفط والغاز في أعماق البحر في شرق البحر المتوسط الأسبوع الماضي. وانتقدت الإدارة اليونانية لجنوب قبرص بشدة هذه الخطوة، وزعمت وزارة الخارجية القبرصية اليونانية أن أعمال الحفر التركية تجري في المنطقة الاقتصادية الخاصة بقبرص، كما يدعي الجانب القبرصي اليوناني أن أنشطة تركيا تقوض سيادة البلد بموجب القانون الدولي. وفي المقابل تؤكد تركيا أن لها الحق في البحث عن الغاز الطبيعي في هذه المنطقة لأن حقوق تركيا في هذه المياه تقرها قرارات الأمم المتحدة. كما تقول تركيا إن جميع أنشطتها تجري في منطقتها الاقتصادية الخالصة.
بعد إطلاق عمليات سفينة التنقيب التركية في شرق البحر المتوسط، حاولت الإدارة القبرصية اليونانية زيادة الضغط على تركيا بالتهديد بالقبض على طاقم سفينة الحفر التركية، الفاتح. ورداً على مزاعم القبارصة اليونانيين، قالت وزارة الخارجية التركية إنّ تركيا ستواصل حماية حقوقها وحقوق جمهورية قبرص التركية فيما يتعلق بالثروات الباطنية، في الجرف القاري وفي المنطقة الاقتصادية الخالصة. كما صرح وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، إن بلاده سترسل سفينة تنقيب ثانية، إلى شرق المتوسط، ولا تبالي لتهديدات قبرص الرومية.
تثبت هذه التصريحات أن حقوق تركيا في شرق البحر المتوسط هي خط أحمر لأنقرة، وأن الحكومة التركية لن تتراجع عن أنشطتها المخطط لها في المنطقة، على الرغم من ضغوط الجهات الإقليمية والدولية.
هناك أربعة أسباب رئيسية تجعل منطقة شرق المتوسط حيوية بالنسبة إلى تركيا:
أولا، تركيا مستورد كبير للطاقة وتعتمد على دول أخرى مثل روسيا وإيران من أجل تلبية احتياجاتها من الطاقة. وقد صلت واردات أنقرة من الهيدروكربونات إلى 45 مليار دولار أمريكي في عام 2018، وهو ما يمثل ضغطًا كبيرًا على الميزانية، لا سيما بعد ضعف الليرة مقارنة بالعام الماضي. ولهذا السبب، من الأهمية بمكان لتركيا أن تجد مواردها الطبيعية من أجل تقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية. ونظرا لأن منطقة شرق المتوسط تتمتع باحتياطيات ضخمة ومع استمرار الاقتصاد التركي في النمو، ستزداد أيضًا الحاجة إلى الطاقة. ولذلك، فإن موارد الغاز الطبيعي والنفط في شرق البحر الأبيض المتوسط تعد مسألة حيوي لمتطلبات تركيا المتزايدة من الطاقة.
أما السبب الثاني، فيرجع إلى طموح تركيا في أن تصبح مركزًا رئيسيًا لنقل الطاقة من الشرق إلى الغرب. ومن خلال المشاريع المنجزة في هذا القطاع ، ستصبح تركيا طريق عبور رئيسي للموارد الهيدروكربونية من أسواق الشرق الأوسط وآسيا إلى أوروبا. ويرى معظم المحللين أن تركيا هي الخيار الأفضل لنقل موارد النفط والغاز من شرق البحر المتوسط إلى الأسواق الأوروبية، لكن يحاول المنافسين الجيوسياسيين مثل مصر وإسرائيل واليونان، يحاولون تقويض دور تركيا في هذا القطاع.
هناك سبب آخر يجعل شرق المتوسط ذا أهمية كبيرة لتركيا يتعلق بمنافسيها السياسيين الإقليميين. تواجه سياسات تركيا في الشرق الأوسط مواجهة من طرفين مهمين في المنطقة، هما إسرائيل ومصر. كان البلدان في منافسة سياسية مع تركيا. وتعد منطقة شرق المتوسط من بين الأماكن التي تتمتع فيها تركيا ومنافسوها الإقليميون بحسابات استراتيجية مختلفة، حيث تسعى كل من مصر وإسرائيل، بالإضافة إلى اليونان والإدارة اليونانية لجنوب قبرص، إلى عزل تركيا عن التطورات السياسية والاقتصادية في شرق البحر المتوسط من خلال تشكيل تحالفات وإنشاء منتديات رسمية. وردًا على هذه الأنشطة، تواصل تركيا بتحد جهودها للمشاركة في صراع السيطرة في شرق البحر المتوسط. وفي الوقت الذي تنتقد فيه أنقرة منافسيها الإقليميين دبلوماسيًا وتؤكد عزمها على المضي في سياستها للطاقة في شرق البحر المتوسط، فإنها تعمل بلا كلل في عمليات التنقيب والأنشطة العسكرية في المنطقة.
وأخيرًا، يعد شرق المتوسط منطقة ذات أهمية حيوية لتركيا من ناحية الأمن القومي. كانت المنكقة مسرحًا للأنشطة العسكرية لكثير من الدول في السنوات الماضية، وخاصة التدريبات العسكرية بقيادة مصر وبدعم من اليونان واسرائيل والإدارة اليونانية لجنوب قبرص. ومن ناحية أخرى، لوحظ أن الجهات الفاعلة السياسية العالمية مثل الولايات المتحدة وفرنسا وروسيا والصين زادت من وجودها في شرق البحر المتوسط. ومن ثم فإن تركيا لا تفكر فقط في البحر المتوسط من حيث الموارد الهيدروكربونية، ولكن بوصفه منطقة استراتيجية يمكن أن تخدم احتياجات أنقرة الأمنية الوطنية. وتمثل الأنشطة العسكرية التركية في شرق المتوسط دليلًا آخر على نظرة أنقرة للمنطقة كخط دفاع في مواجهة التهديدات التي قد تأتي من الجنوب.
وخلاصة القول، تُولي تركيا أهمية استراتيجية لشرق المتوسط، وتعتبر المنطقة خطًا أحمر في سياستها الخارجية. ولذلك لن تتراجع أنقرة عن أنشطتها بسبب التهديدات والتصريحات الصادرة عن الإدارة اليونانية لجنوب قبرص. ستواصل أنقرة أنشطة التنقيب والحفر في شرق البحر المتوسط، وتتصدى في الوقت نفسه للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية التي تعيق مصالحها في المنطقة. يجب على الأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية أن تتذكر حقيقة أن شرق البحر المتوسط كان بحرًا داخليًا تركيًا لعدة قرون، وستكون هذه الحقيقة التاريخية في قلب استراتيجيات أنقرة المستقبلية تجاه المنطقة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس