برهان الدّين دوران – صحيفة صباح – ترجمة وتحرير ترك برس
أدّى التّزامن الذي حصل بين زيارة الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية ومجيء الرّئيس المصري عبد الفتّاح السيسي إلى الممكلة في نفس الوقت، إلى خلق نقاشاتٍ حول محاولة الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود لعب دور الوسيط بين تركيا ومصر. وذهبت أوساط إعلامية إلى طرح بعض التّساؤلات عن احتمال عقد لقاء بين أردوغان والسيسي أثناء تواجدهما في المملكة. فلا بد من اتخاذ خطوات كثيرة كي تعود العلاقات التركية المصرية إلى سابق عهدها، وتعود المياه إلى مجاريها.
لنتذكّر الآن كيف قام الرّئيس أردوغان بانتقاد المجتمع الدّولي خلال اجتماع مجلس الأمن لاعترافه بالسيسي الذي وصل إلى سُدّة الحكم من خلال تنفيذ انقلاب عسكري على الرّئيس الشّرعي السّابق محمد مرسي. بل أنّ الرّئيس أردوغان ذهب إلى أبعد من ذلك حينما رفض حضور مأدبة العشاء بسبب وجود السيسي في هذه المأدبة.
وقُبيل مغادرته مطار أتاتورك إلى المملكة العربية السعودية قبل أيام، أكّد الرّئيس أردوغان أنّ هناك خطوات كثيرة وجادّة يجب أن تتخذ قبل التّفكير بعقد مثل هذا اللقاء. ومن بين الخطوات التي ذكرها الرّئيس أردوغان إخلاءُ سبيل المعتقلين السياسيّين وإتاحةُ الفرصة لهم لممارسة العمل السياسي.
وقد ذكرت وسائل الإعلام بأنّ السيسي التقى مع أحد القادة الكبار في حزب الإخوان المسلمين قبل مجيئه إلى الرّياض. ومن المرجّح أنّ هذا القائد قد التقى بقيادات المملكة العربية السعودية أيضاً. ولهذا السبب فإنّ من المحتمل أن المملكة العربية السعودية تحاول الآن تحقيق المطالب التركية من أجل إقامة حكومة توافقية في مصر. لا سيما أنّ موازين القوى في المنطقة تميل شيئاً فشيئاً لصالح الإيرانيّين. وهذا ما يدفع بالسّعوديّين إلى البحث عن سبل جديدة لتعزيز العلاقات مع الدّولة التركية.
المملكة العربية السعودية تُدرك جيّداً تعاظم الخطر الإيراني من حولها، وذلك عبر امتلاك إيران لصواريخ بعيدة المدى وتطوّرها الإلكتروني والمدّ الشيعي في منطقة الشّرق الأوسط. فربّما يأتي المدّ الشيعي إلى البحرين، بعد أن استولت القوات الشيعية على اليمن. كما أنّ تهاون الولايات المتحدة الأمريكية مع المد الإيراني في المنطقة، تُقلق السعوديّين.
وعلى الرّغم من كل هذا فإن السيسي لن يتخلّى عن مواقفه وتصرّفته بالسّهولة المتوقّعة. فهو يملك حتّى الآن مساحاتٍ لإجراء المناورات السياسية. وقبل كل شيء عليّ أن أُذكِّر أيضاً بأنّ ماهية العلاقات بين المملكة العربية السعودية ومصر، تحدّد بشكلٍ كبير المستجدات في منطقة الشرق الأوسط على اعتبار أنّ هاتين الدّولتين لهما الكلمة الفصل في حل النّزاعات الدّائرة في منطقة الشّرق الأوسط. ولهذا السبب فإنّ المملكة العربية السعودية تتبع أسلوب التّدرج في تغيير المواقف المصرية، ولهذا عدّة أسباب منها:
أوّلاً: لا ترغب المملكة العربية السعودية المُنزعجة من الامتداد الشيعي الإيراني في منطقة الشرق الأوسط، بانزلاق السيسي إلى الطّرف الإيراني والرّوسي لذلك فهي تتبع أسلوب التّريُّث في سياساتها مع مصر.
ثانياً: تتّجه المملكة العربية السعودية لإجراء تغييراتٍ في سياساتها تجاه جماعة الإخوان المسلمين.
وخلال الزيارة الأخيرة التي قام بها السيسي إلى المملكة العربية السعودية، حاول الحصول على الدّعم المادّي من أجل محاربة الجماعات الإرهابية، لا سيما أنّ طائراته قصفت مؤخّراً مواقع للتنظيم في ليبيا، إلّا أنّ احتمال رفض الملك سلمان لهذا الطّلب وارد جداً.
بينما لو نظرنا إلى زيارة الرّئيس أردوغان والمحادثات التي أجراها في السعودية، نجد أنّ الطّرفان تناولا كافّة المسائل المشتركة، سواء القضية الفلسطينية والمصرية والسورية والعراقية واتّفقا على العمل المشترك والتنسيق من أجل حلّ كل هذه الأزمات. كما تمّ التّفاهم على اتفاقياتٍ تجارية بين البلدين. فقد بدأت مرحلة تعاون جديدة بين الدّولتين بعد هذا اللقاء. ومن الممكن أن نرى ثمار كل هذه الاتفاقيات خلال الأيام المقبلة. وعلى الرّغم من كل الاتفاقيات والتقارب بين تركيا والسعودية، فإنّ تحسّن العلاقات بينهما يأخذ منحى التّدريج وستتطوّر العلاقات بشكل تدريجي على كافّة الأصعدة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس