د. سمير صالحة - خاص ترك برس
تل أبيب غاضبة جدًا لأن الأردن رفضت تمديد بروتوكولات الامتيازات الإسرائيلية في مناطق الباقورة والغمر الحدودية التي كانت جزءًا من اتفاقية السلام بين البلدين عام 1994 في وادي عربة.
10 تشرين الثاني/ نوفمبر المنصرم، كان موعد انتهاء الفترة القانونية لتنفيذ اتفاقية تقر بالسيادة الأردنية على أراض كان الجيش الإسرائيلي قد احتلها بعد حربي 1948 و1967. لذلك قرر العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عدم تجديد ملحقي الاتفاقية الخاصين بمنح المزارعين الإسرائيليين 25 سنة من الانتفاع بأراضي منطقتي الباقورة في وادي الأردن، والغمر جنوب البحر الميت.
حاولت تل أبيب باستماتة وعبر الكثير من أساليب التهديد والابتزازالضغط على القيادة الأردنية ومحاصرتها بسياسة تعطيها ما تريده ففشلت. هي لوحت بلعب ورقة المياه والغاز والتهديد بكل ما تملكه من أوراق سياسية وأمنية واقتصادية ضد الجانب الأردني لكن القيادة الأردنية لم تتأثر أو تتراجع عن مواقفها. تل أبيب عبر أجهزتها الأمنية والسياسية هي التي حاولت تسميم زعيم حركة حماس خالد مشعل في قلب العاصمة الأردنية عمّان قبل أكثر من عقدين، أوتحجيم الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، أو تمرير مشروع التوطين عبر تضييق الخناق على القيادة الأردنية أو التخطيط لإحياء فكرة الوطن البديل ضمن ما سمي بصفقة القرن فكيف تكون السلطات الأردنية متساهلة في قضايا من هذا النوع؟
الكنيست الإسرائيلي سعى دائمًا لتقديم مسألة التنسيق والتعاون بين تل أبيب وعمان ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو قال أكثر من مرة إن بلاده تساعد الأردن بطرق لن يعلن عنها لكنه هو نفسه الذي تحدث عن تهويد شمالي البحر الميت والتواجد عسكريًا في الطرف المقابل من الأغوار، والدعوة للسماح لليهود بالصلاة في باحة المسجد الأقصى، فكيف يتوقع من الشارع الأردني غير حسم موقفه وإنهاء هذه المرحلة الانتقالية التي لم تحظ أصلًا بقبول القيادات السياسية والشعبية؟
تل أبيب كانت تراهن على حاجة الأردن لها مشيرة إلى الانفتاح الحاصل في مواقف بعض الدول العربية والخليجية تحديدًا نحوها وهي كانت تنتظر ضغوطات عربية على الأردن لعرقلة قرار استرداد المنطقتين الحدوديتين لأن الحسابات والأولويات تغيرت إقليميًا، فهناك بدائل وخيارات إسرائيلية أقوى من العامل والدور الأردني، لكن عمان لم تتوقف عند الرهانات الإسرائيلية على محاولة محاصرتها بأوراق عربية تساعدها على إضعاف الموقف الأردني. هناك تغيرات ثنائية وإقليمية حصلت في مسار العلاقات بين البلدين والحقيقة كما يرددها البعض اليوم هي أنّ شيئًا ما في العمق تبدّل بين عمان وتل أبيب دفع القيادة الأردنية لاتخاذ هذا القرار الحاسم والموجع لإسرائيل.
تقع الباقورة شرق نقطة التقاء نهري الأردن واليرموك في محافظة إربد الشمالية، وتبلغ مساحتها نحو ستة آلاف دونم. أما الغمر فتقع في منطقة وادي عربة بمحافظة العقبة الجنوبية، وتقدر مساحتها بنحو أربعة آلاف دونم. المهم هو ليس المساحة الجغرافية هنا بقدر ما هو القرار السياسي. والدليل أن وزير الخارجية الاردني أيمن الصفدي أوجز ما جرى بقوله أن القرار يراعي المصلحة الوطنية العليا ويعكس أولويات المملكة.
فشلت كل محاولات تل أبيب في التشكيك بقدرة الأردن على تنفيذ قرار إنهاء تأجير المنطقتين للإسرائيليين. وهناك حقيقة أخرى لا يمكن تجاهلها وهي أن الغضب الأردني من ممارسات الإسرائيليين تزامن مع حراك شعبي قوي يطالب باستعادة المنطقتين، وحيث وقع 80 نائبًا بالبرلمان الأردني على مذكرة ربطت استمرار منح الحكومة الأردنية الثقة بإلغاء عقدي التأجير. الأزمات الاقتصادية والحياتية في الأردن شيء وأولويات البلاد الوطنية شيء آخر. تل أبيب بعد الآن ستضع في حساباتها المواقف الأردنية الجديدة والتي ستكون مرتبطة باحترام الاتفاقيات والمعاهدات والتزامها الحقيقي بعملية السلام ومرجعياتها. العاهل الأردني هو الذي قال قبل سنوات "إن السلام مع إسرائيل أصبح "باردًا ويزداد برودة".
الأردن عبر خطوة مهمة من هذا النوع قدم لشعوب المنطقة الجرعة التي كانت تفتش عنها في هذه الظروف الإقليمية الصعبة في مواجهة السياسات الإسرائيلية التصعيدية والدليل أنه بعد ساعات فقط على التحرك الأردني سارعت تل أبيب لاستهداف القيادات الفلسطينية وقطاع غزة في محاولة للالتفاف على فرحة شعوب المنطقة.
السياسة الإسرائيلية اليوم لا تختلف كثيرًا عما فعلته السيدة التي وقفت أمام رئيس مخفر الشرطة تروي ما جرى بقولها: "أنا حاولت تنبيهه بأنوار التحذير والكبس على البوق والصراخ بصوت مرتفع". فرد الرجل المتضرر بقوله نعم هي حذرتني لكنني كنت أتوقع أن تدوس الفرامل بدل الإصرار على الدخول بسيارتها إلى متجري".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس