د. سمير صالحة - تلفزيون سوريا
إذا كان اسمك كارلوس فكثر هم من يهابونك.
إذا كان اسمك كارلوس غصن وكنت ثرياً فالأبواب الخلفية مشرعة أمامك للهروب عبرها.
إذا كان اسمك كارلوس غصن وكنت ثرياً وتملك 3 جوازات سفر في حقيبتك اليدوية فأنت تتمتع بالحصانة التي تخولك التنقل بين العواصم والقارات دون مساءلة. فما الذي أوصلك إلى مهزلة التنقل متخفياً في صناديق القطع الموسيقية؟
التوصيف الأخير لغصن والذي قرأناه قبل أيام كان على شاكلة "أنه واحد من جنود الرأسمالية ذوي المرتبة الدنيا، الذي يُكلّف بعمل بغيض، واحد من المستخدمين الذين يضحون بمستخدمين سواهم من أجل الربح والنمو". الاختباء داخل صندوقة "كونتر باس" للفرار والتنقل بين مطارات العالم ريثما تحط الطائرة في مطار بيروت يحمل أكثر من سؤال حول الصفات والمواصفات والفرص؟
وسط تكتم لبناني شديد وعلامات استفهام كثيرة حول نجاح كارلوس غصن في مغادرة مكان إقامته الإجبارية في اليابان وهروبه إلى لبنان، برز اسم إسطنبول كمحطة أساسية في الخطة وهمزة الوصل بين طوكيو وبيروت التي اختارها البعض لتسهيل العملية.
كشف النقاب في إسطنبول عن تحقيقات تجريها أجهزة الأمن التركية بشأن دخول وخروج كارلوس غصن الرئيس السابق لشركة نيسان للسيارات في إسطنبول أثناء فراره من اليابان إلى لبنان. اليابان من ناحيتها قد تحرك الإنتربول الدولي عبر "النشرة الحمراء" لتبيان الوضع القانوني المتعلق بملف غصن وتطالب بقية الدول بالتعاون معها. إلا أن السلطات اليابانية تدرك جيدا أنه لا يمكن لمنظمة الإنتربول إصدار أوامر اعتقال أو الشروع في تحقيقات أو ملاحقات، باستثناء المحاكم الدولية بناء على قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي مباشرة وهي مسألة معقدة وفي غاية الصعوبة.
القانون الدولي يمنحك حق اللجوء وطلب الحماية والدفاع عن نفسك أمام القضاء ولا يعطي الحق لأي جهاز أمني أو قضائي يتذرع بتعميم الإنتربول الدولي حول وضعك ومشكلاتك القانونية وبضرورة تسليمك لمن لا تريد أن تكون بين يديه. لكنه لا يعطيك حق أن تكون مطلوبا للعدالة ويوفر لك البعض "حماية المواطنة" دون أية مساءلة قانونية أو أخلاقية حول ما فعلته. المسألة لم تنته بعد وللحديث تتمة. فطوكيو بمقدورها سياسيا واقتصاديا التصعيد ضد السلطات اللبنانية في محاولة لإجبارها على التعاون معها. ومن الممكن لمديرية الأمن العام اللبناني أن تعلن عدم وجود موجبات تستدعي أخذ إجراءات بحق غصن أو تعرضه للملاحقة القانونية، إلا أنه وفي الشق المتعلق بتركيا وفي حال ثبوت دخوله وخروجه الأراضي التركية بصورة غير قانونية فسيصبح ملاحقا قضائيا ومطلوبا لأجهزة الأمن التركية مما يستدعي تزويد السلطات اللبنانية تركيا بكل المعلومات العدلية التي تطلبها أنقرة حول القضية. هذا يعني أنه لن يكون سهلا إغلاق ملف هروب غصن بمثل هذه السهولة ولمجرد أن لبنان أعلن أنه يحمل جنسيته ولن يسلمه إلى أية جهة أجنبية إلا برضاه وموافقته أو طلبه. ولن يكفي الخارجية اللبنانية أن تعلن أن "ظروف خروجه من اليابان والوصول إلى بيروت غير معروفة منّا وكل كلام عنها هو شأن خاص به".
تنقلات كارلوس على هذا النحو بالطائرات الخاصة دون أن يمر عبر النقاط الحدودية والجمارك حملت معها أكثر من تساؤل حول عمل الطائرات الخاصة نفسها: ماذا لو كان الرجل شخصية إرهابية عالمية من نوع كارلوس الآخر مطلوبة للعدالة الدولية؟ وماذا ستقول أجهزة أمن الدول التي اخترق تدابيرها الأمنية ليخرج ويدخل على مزاجه إلى أراضيها ودون حسيب أو رقيب؟ ربما هذا قد يكون سببا إضافيا لصعوبة إغلاق الملف في اليابان وتركيا.
أجهزة الأمن التركية معنية هنا ولا يمكن لها أن تتغاضى عما جرى. من أين وكيف وصلت الطائرة الخاصة الأولى إلى مطار أوساكا؟ وكيف هبطت في مطار أتاتورك وسط تمويه كامل في لوائح الركاب والحمولة؟ كيف تم التعاقد مع الطائرة الخاصة الثانية لنقله إلى بيروت وتسهيل خروج حمولتها دون الافصاح عن ركابها؟ هل هناك شركاء أتراك في التخطيط والتجهيز والتنفيذ؟ أنقرة لن تبقي المسألة في إطار العلاقات الدبلوماسية واستدعاء السفراء أو طلب التوضيحات ولا يمكن لها أصلا أن تكتفي بذلك فالمعارضة التركية لن تتساهل وتتغاضى عن مهزلة خرق الحدود وأجهزة الأمن مرتين في الدخول أولا والخروج ثانيا.
تحقيقات أمنية وعدلية تركية بدأت حول تسهيل هروب غصن ووصوله بطريقة غير قانونية إلى مطار أتاتورك، ثم مغادرته بعد ساعات إلى العاصمة اللبنانية بيروت. أول ما قيل في إسطنبول كان أنه دخل البلاد وغادرها بطريقة غير شرعية. ثم تحدثت أجهزة الأمن التركية عن توقيف 7 أشخاص يعملون في شركة طيران شحن خاصة، بينهم أربعة طيارين، وموظفان اثنان في الخدمات، ومدير عمليات الشركة وتمت إحالتهم إلى القضاء بتهمة المشاركة في نقل ودخول وخروج أشخاص إلى الأراضي التركية دون إعلام السلطات.
ثم أعلن لاحقا أن شركة الطائرات الخاصة التركية "إم إن جي جيت" التي ورد اسمها كمسؤولة عن الطائرتين قدمت شكوى جنائية تقول فيها إن طائراتها استُخدمت بشكل غير قانوني لنقل رجل الأعمال كارلوس غصنإلى لبنان بعد فراره من اليابان. وذكرت أن شخصين مختلفين استأجرا طائرتين في كانون الأول/ديسمبر، الأولى لرحلة من دبي إلى أوساكا في اليابان ومن أوساكا إلى إسطنبول، والثانية لرحلة من إسطنبول إلى بيروت مطالبة بمحاكمة جميع الذين قاموا بتسهيل رحلة غصن. قريباً سيدور الحديث في تركيا عن علاقات على مستوى رفيع حول تورط البعض تجارياً في هذه العملية. هل هناك احتمال تكليف مجموعة خاصة أرسلت من إسطنبول لتنفيذ المخطط مثلا؟ ولماذا إسطنبول ومطارها وطائراتها الخاصة؟
الذي لا تعرفه السلطات التركية أن كارلوس غصن لا علاقة له بالإرهابي كارلوس لا من قريب ولا من بعيد لأنه يشغل في لبنان كما يقول أرشيف بعض وسائل الاعلام مقعد عضو في المجلس الاستراتيجي في جامعة القديس يوسف في بيروت. وفي عام 2012 افتتحت جامعة القديس يوسف مساحة في أحد أقسامها حملت اسم "كارلوس غصن". وفي عام 2003 نال غصن الدكتوراه الفخرية من الجامعة الأميركية في بيروت، قبل أن يصبح عضواً في مجلس إدارتها. وفي العام 2017 أصدرت السلطات اللبنانية طابعاً بريدياً تكريمياً، يحمل صورة كارلوس غصن. والذي لا تعرفه وهو الأهم هنا هو أن البعض في لبنان يعتبر ما جرى صفقة تجارية فهو سيضع أمواله وخبرته في خدمة لبنان لإخراجه من أزماته الاقتصادية والاجتماعية فكيف سيكون الحوار التركي اللبناني حول الملف؟
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس