محمد قدو أفندي أوغلو - خاص ترك برس
من البديهي القول إن الدبلوماسية الإيرانية تتصف بالكثير من الغموض مثلما تتصف بالمراوغة العالية حتى أن الفرد يشعر بأن المدرسة الدبلوماسية الإيرانية عبر التاريخ هي متميزة وفريدة من نوعها حيث يمتلئ الأرشيف الإيراني بالمئات بل الآلاف من التفاهمات السياسية الاستراتيجية والسرية بين دول لا تمت لها بأي صفة ولا صيغة بل تحتسب من الدول التي لها مواقف معاكسة للتطلعات الإيرانية، والقول بأن إيران تستطيع تسخير من يرفع لها الماء لسقي زروعها من الوديان السحيقة هو كلام حقيقي ومأثور حيث تتوظف الدبلوماسية الإيرانية في كل زمان ومكان تكمن فيه مصلحتها.
ومن الطبيعي القول أيضا إن الدبلوماسية الإيرانية تجيد اللعب بالبيضة والحجر مثلما تستطيع توظيف الآثار التاريخية والخاصية المذهبية لمساعيها الدائمة لخدمة أهدافها القومية.
تركيا ولعهد قريب كانت وما زالت تحاول بكل الوسائل دعم الاستقرار بالمنطقة بصورة عامة، وكانت تولي مسألة العقوبات الاقتصادية والمالية ضد إيران اهتماما متزايدا فقد عارضت وبشدة تلك العقوبات لتأثيرها المباشر والقاسي على الشعب الإيراني، هذه من ناحية ومن ناحية أخرى فإن تركيا كانت تحاول دائما منع حصول أية فرصة لتدخل الدول الأجنبية في الشأن الإقليمي لذا كانت حريصة على لعب دور توافقي بين أقطار الدول الإقليمية.
ومن المعلوم أيضا أن إيران ومن خلال قاسم سليماني كانت تمنع أي نفوذ لقوى سياسية وحزبية في العراق تتطلع إلى إقامة علاقات متوازنة مع الأقطار العربية ودول الجوار ومن ضمنها تركيا، وكانت تحاول اختزال كل العلاقات الخارجية للعراق وجعلها ضمن بوتقة الهيمنة الإيرانية.
ربما كانت تركيا تشعر وتعتبر العقوبات الأمريكية ضد إيران ومحاولات الأمريكان لإضعاف النظام الإيراني بأنها حلقة أولى من حلقات استهداف دول أخرى تباعا ومنها تركيا لغرض بسط السيطرة والاستيلاء على مقدرات الشعوب وتوجيهها لصالح تلك الدول المهيمنة أو لصالح دولة القطب الواحد، هذا بالإضافة إلى أن العقوبات الأمريكية المذمومة هي طريقة بشعة لتذليل الشعوب وليس الحكومات كما حصل مع الشعب العراقي سابقا.
ومنذ قيام أوباما بالاعتراف بمسودة الاتفاق بين الدول الخمسة زائد واحد وإيران حول الاتفاق النووي، بل دعوته لباقي تلك الدول بالإسراع لتوقيع الاعتراف بصورة فورية، طرحت الكثير من التكهنات حول الثمن الذي قبضه الإيرانيون جراء تنازلاتهم الجوهرية في بنود الاتفاق، وبقت تلك التكهنات طي الكتمان كأحجية لم تكتشف ملامحها إلا بعد قيام أحد الجمهوريين بالكشف عنها مؤخرا حيث كشف بأن الرئيس أوباما أطلق يد إيران في سوريا بالكامل في ظل أزمة ثقة وأزمة دبلوماسية عالمية مقابل تلك التنازلات الإيرانية.
الاحتجاجات العراقية وما تبعها من تصفيات جسدية للمحتجين والاعتقالات ومواجهة تلك الاحتجاجات بالكثير من القوة المفرطة التعسفية والتنكيل ومماطلة الحكومة بتنفيذ مطالب المحتجين المشروعة بضغط الفصائل والميليشيات المرتبطة بإيران كانت هي الشعرة التي قصمت ظهر البعير بين بعض الجهات المتنفذة في العراق والمؤيدة إيران مع إيران نفسها من خلال ممارسات قاسم سليماني بلعب دور الحاكم الفعلي لأربع عواصم عربية، وبين كل القوى الوطنية الأخرى كأحزاب وتكتلات سياسية، ومن هنا ظهر جليا أن الدولة العراقية بكافة مؤسساتها وهيبتها وأستقلاليتها مخطوفة بشكل حقيقي من قبل تلك الميليشيات المتشكلة في إيران ومن قبل أشخاص ولاؤهم الحقيقي لإيران وليس للعراق.
ومن ناحية أخرى فإن القوى والأحزاب الشيعية التي استفردت بالقرارات الأخيرة والخاصة بإصدار قرارات بقوة القانون لوضع الجدولة الزمنية لإخراج قوات التحالف من العراق دون الاتفاق المسبق مع شركاء العملية السياسية ودون دراية بالكارثة التي تحل في حال اتخاذ قرارات اقتصادية تحت طائلة البنود المثبته من الأمم المتحدة بين العراق وتلك المنظمة، في الوقت الذي تحاول فيه تلك الأحزاب الشيعية رفع سقف علاقات العراق مع إيران إلى مستوى التبعية الإدارية وحتى السياسية.
تتلخص الابتلاءات التي تعرض لها الإنسان العراق وتطلعات الشعب العراقي المشروعة والمعترف بها من كل شعوب ودول العالم بما يلي:
أولا التدخلات الإيرانية وهيمنة القوى الفاعلة المرتبطة بها من الميليشيات والفصائل.
ثانيا الفساد الإداري والمالي المستشري في المؤسسات العراقية.
ثالثا الطائفية التي تدمر النسيج الاجتماعي العراقي.
تحاول تركيا بصورة جدية الى الوقوف بجانب الدولة العراقية المتمثلة بالسلطة التنفيذية لخلق توافق بينها وبين إمكانات القوى الوطنية التي تحاول بكل الوسائل استعادة الاستقلالية في القرار العراقي وخلق فرص لاستعادة هيبة الدولة العراقية من جديد، وفي هذا الظرف بالتحديد خوفا على وحدة العراق وسلامة أراضيه.
والقول بأن أميركا لا تعير العراق ولا شعبه أي اهتمام، حقيقة، مثلها مثل إيران تماما التي تنوي تحويل جغرافية العراق إلى ساحة حرب وتصفية حسابات إقليمية ودولية، وما شاهده العالم من تصفية حسابات إيران وأمريكا على أرضها أبلغ دليل على ذلك.
حيث أن واشنطن وطهران (يتفقان ضمنًا) على استحالة وقوع حرب معلنة بينهما حتى لا تغلق إيران مضيق هرمز بوجه الملاحة الدولية، وتتوقف حركة النفط والتجارة العالمية كأقرب الاحتمالات، ومن ثم تقود إلى أزمة اقتصادية كبرى. وما قرار الكونغرس الفوري بتحديد صلاحية ترامب بشن حرب على إيران إلا تاكيد على تخوف الجهات الفعالة وأصحاب الشركات وتجار الطاقة في الولايات المتحدة من وقوعها.
وحتما فإن الفرصة مؤاتية جدا لجيران العراق للوقوف إلى جانب الشعب العراقي المتطلع لاستعادة هيبة الدولة العراقية واستقلاليتها بل استعادة الدولة المختطفة من قبل ميليشيات تابعة لإيران.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس