ياسر عبد العزيز - خاص ترك برس
كان القرار الذي اتخذه خطأ، من وجهة نظر البعض، لأنه خلط الأوراق وتسبب في حالة من الفوضى، فأراد أن يصلحه فاتخذ قرارا لم يبعد في تقيمه عن قراره الأول، فقد خلط الأوراق وكاد أن يتسبب في حالة أشد من الفوضى، لولا أن القيادة السياسية أعادت الأمور إلى نصابها، فلا الزمان ولا الظروف يسمحان بأن يستقيل صمام أمان الشعب التركي، بشهادة غالبية الشعب، في هذا التوقيت.
في ليلة السبت، وفي الساعة التاسعة من مساء الجمعة اتخذ وزير الداخلية التركي سليمان صويلو قرارا بحظر التجوال في 31 مدينة بعموم تركيا، وعلى أن تظل أفران الخبز والصيدليات ومحال بيع المياه مستثناة من هذا القرار، مع ذلك هرع الكثيرون إلى المخابز حد التدافع إلى المخابز ومحال البقالة لشراء حاجاتهم، في مشاهد عرضتها التلفزيونات كافة والتقطتها المعارضة التي لا تترك شاردة ولا واردة للإدارة إلا وانتقدتها، لكن هذه المرة، كانت على حق، فالقرار كان متسرعا ومفاجئا، فلم يسلم من انتقاد أخلص المخلصين للحزب والوزير، وتدارك الوزير، الذي لا ينام، من خلال التقارير السريعة أن القرار كان متسرعا، فخرج ليؤكد بأن أفران الخبز والصيدليات ومحال بيع المياه مستثناة من القرار، بل وأمر باستثناء سيارات أفران الخبز في التجوال لبيع الخبز للناس في البيوت.
لكن المعارضة ووسائل التواصل الاجتماعي لم ترحمه، فهي فرصة لا تعوض للإطاحة بواحد من أهم أعمدة الإدارة الحالية، صاحب الإنجازات على المستوى الأمني ومحاربة الإرهاب، كما أن الشعب الذي وقف يوم محاولة الانقلاب في 2016 وضحى بدمه لم ينس لصويلو ورجاله موقفهم البطولي للمحافظة على إرادتهم وأصواتهم في اختيار حكومة تمثلهم وتدير شئونهم، فالرجل قدم الكثير لهذا الشعب، واستطاع أن يضع فلسفة جديدة لتعامل رجال الشرطة مع الشعب، حتى أصبح الشعب يحتفل برجال الشرطة في مشهد لا يتكرر إلا في تركيا بعد 2016.
هذا التقدير دفع صويلو لتحمل مسئوليته تجاه شعبه ويعلن استقالته التي جاء فيها: (أنا أتحمل المسؤولية بشكل كامل عن قرار حظر التجوال الذي طبق في نهاية الأسبوع، الصور التي رأيناها في الشوارع كانت بسبب خطأ مني ولم تنسجم مع الإدارة الرائعة لهذه المرحلة).
وأضاف صويلو: (بحكم تجربتي ومسؤوليتي، كان لا ينبغي للمشاهد التي رأينا في الشوارع أن تحصل، لقد اتخذت القرار بنية حسنة من أجل إيقاف انتشار الوباء).
أما أجمل ما جاء في أسباب استقالته : (أنا أبدا لم ولن أسعى إلى إلحاق الأذى بأمتنا، أتقدم بالشكر للجميع وعلى رأسهم رئيس الجمهورية، وأعلن استقالتي من منصبي).
لقد قلب صويلو الطاولة على الجميع، على المعارضة التي أرادت أن تظهر الإدارة بأنها متشبثة بالحكم وأنهم ثلة من الدكتاتوريين غير العابئين بمصير الشعب، ولا يهمهم حياة المواطن وما يهمهم البقاء في المنصب، وهو ما دحضه صويلو باستقالته، وقلب الطاولة على من يحاول أن يزاحمه في المنصب من أجل ترتيب البيت على هواه، والفرصة كانت مواتية بشكل كبير، فمنصب وزير الداخلية منصب مهم جدا، وأكثر تأثيرا من الناحية العملية من الاقتصاد الذي يشعر به المواطن، لكنه له تبريراته، مع الظروف العالمية، كما أن الرجل قلب الطاولة على المحيط الإقليمي العربي، وحتى في دولة الكيان المحتل الذي يفتخر الغرب بأنه الكيان الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط، عندما نرى رئيس وزرائه يقاتل من أجل البقاء في منصبه رغم قضايا الفساد التي تلاحقه.
التوقيت لم يكن صحيحا، فاستقالة صويلو في هذا التوقيت يعني بشكل أو بآخر فوضى في الشارع التركي، ويربك حسابات القيادة السياسية التي تحتاج جبهة داخلية مؤمنة في مواجهته المخاطر الخارجية، فقبل يومين من اتخاذ قرار الاستقالة بدأت القوات التركية على الحدود حملة على الإرهابيين داخل الحدود السورية، وهي الضربة الاستباقية ، وكذا الرسالة القوية لما تحاول دولة الإمارات التحرك فيه لإشعال النار على حدود تركيا وضرب أهداف عسكرية تركية بواسطة النظام والعناصر الإرهابية لحزب العمال وقوات سوريا الديمقراطية وكذا من خلال النظام السوري الذي قبض إيجار بندقيته.
حسنا فعل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان برفضه استقالة صويلو، وحسنا جاء تبرير رفض الاستقالة، فالرئيس في بيان رفض الاستقالة قال إنه يرفض استقالة وزير الداخلية سليمان صويلو نظرا للانجازات التي حققها منذ محاولة الانقلاب الفاشلة حتى يومنا هذا، وذكر البيان أن النضال الكبير الذي قام به الوزير صويلو لعب دورا مهما في الحد بشكل كبير من القدرات العملية للمنظمات الإرهابية في البلاد، وكذا دوره في الحد من تبعات الكوارث الطبيعية مثل الزلازل، وأردف البيان، الحقيقة أن وباء الفيروس التاجي له أيضا خدمات صحية وإمدادات غذائية وأبعاد الأمن العام. تضمن عدم وجود مشاكل تتعلق بالسلامة العامة في بلادنا.
هذا البيان الذي أعاد لوزير الداخلية مكانته وقلده وساما يضاف إلي الوسام الذي منحه إياه الشعب بتصدر وسم رفض استقالة الرجل موقع التواصل الاجتماعي تويتر تكسبه مزيدا من القوة في الداخل والخارج وتؤهله شعبيا لما هو أبعد من وزارة الداخلية ولن نستبق الأحداث كثيرا وسندع المياه تجري تحت الجسر، فالسياسة التركية لها روافد كثيرة فالمياه لا تجري في نهرها من نبع واحد.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس