ترك برس
تواصل تركيا جهودها الحثيثة على الصعيدين الدبلوماسي والعسكري بهدف حماية المدنيين السوريين من قصف وهجمات نظام الأسد وروسيا وإيران، وسط محاولات متكررة لعرقلة هذه الجهود من قبل مجموعات تتبع لـ"هيئة تحرير الشام" في منطقة إدلب شمال غربي سوريا.
وشهد الأحد الماضي، مقتل خمسة عناصر من "تحرير الشام" وإصابة آخرين، إضافة إلى إصابة عدد من الجنود الأتراك، نتيجة مواجهات بين الطرفين في محافظة إدلب على خلفية محاولة الجيش التركي فضّ اعتصام على طريق حلب - اللاذقية "أم 4".
وتشير تقارير إلى أن المواجهة المحدودة بين عناصر من "هيئة تحرير الشام" وقوات الجيش التركي المنتشر في إدلب، تفتح الباب أمام احتمال مواجهة أكبر وأكثر اتساعاً، مع إصرار أنقرة على تطبيق اتفاق موسكو الأخير الموقّع في 5 مارس/ آذار الماضي.
ويقضي الاتفاق التركي-الروسي في أحد بنوده بفتح الطريق الدولي حلب - اللاذقية "أم 4" المار من إدلب، أمام الحركة التجارية والطبيعية.
في هذا الصدد، أشارت صحيفة العربي الجديد، نقلًا عن مصادر تركية، إلى انعقاد اجتماع، الأحد، بين الجانب التركي وممثلين عن الهيئة لبحث هذه التطورات الخطيرة، مع إصرار أنقرة على تسيير الدوريات المشتركة على الطريق الدولي.
بينما ترفض "هيئة تحرير الشام" فتح طريق "أم 4" وتسيير الدوريات، وتدعم اعتصامات على الطريق تحاول إظهارها على أنها شعبية. وتشير المعلومات إلى أن هذه الاعتصامات ينفذها أساساً عناصر من الهيئة وموظفون في "حكومة الإنقاذ" التابعة لها، ومن ينضم إليهم من المدنيين المعارضين لفكرة الاتفاق بصيغته الأخيرة.
وهذا ما اتضح خلال المواجهة الأخيرة، الأحد، بين الأتراك والمعتصمين على الطريق، فبعد الكشف عن الخسائر، تبيّن أن القتلى من المعتصمين هم إما عناصر في "هيئة تحرير الشام" أو موظفون في "حكومة الإنقاذ". وفقًا لصحيفة العربي الجديد.
ونقلت الصحيفة عن المصادر أن "الجانب التركي كان مصراً على طلبه فتح الطريق الدولي أم 4 من أجل تسيير الدوريات التركية الروسية المشتركة. وبهدف ممارسة المزيد من الضغوط، نفذت طائرات تركية مسيّرة قصفاً على مركبة تعود للهيئة، ما أدى إلى مقتل عنصرين من الهيئة كانا فيها، في رسالة واضحة على الجدية التركية"، موضحة أن "الهيئة هي الجانب الأضعف وعليها الاستجابة للمطلب التركي".
وتعليقاً على هذه التطورات، رأى المحلل والصحافي التركي هشام غوناي، أن "محاربة هيئة تحرير الشام بل وإنهاءها، أمر تعهدت به تركيا لروسيا خلال كافة الاتفاقات معها، ولا سيما اتفاق موسكو الأخير. وسابقاً كان هناك قصف عشوائي روسي ومن قبل النظام ضد المدنيين ما أدى إلى مجازر كبيرة وحركات نزوح بالآلاف، بحجة وجود هيئة تحرير الشام في إدلب.
وعليه، وبناء على ما تعهدت به في موسكو، على أنقرة أن تنهي هذا التنظيم في أسرع وقت، وإلا فإن القصف سيعود على المدنيين بالحجة ذاتها، وستكون ذريعة النظام أن تركيا لم تف بتعهداتها ولم تتعامل مع ملف الهيئة كما وعدت".
وأضاف غوناي أن "عملية إنهاء هيئة تحرير الشام أو التعامل معها ليست سهلة، خصوصاً أن التنظيم يتغلغل في المدن والقرى وبين المدنيين، والمواجهة في الأماكن المأهولة تكون صعبة جداً بالنسبة لتركيا، فهي تتحمل مسؤولية كبيرة في حماية المدنيين ولا يجب أن تقع بأخطاء حيال هذا الأمر، وبالتالي ستكون محط نقد واتهام، ليس من المجتمع الدولي وحسب، بل كذلك من الداخل التركي والمعارضة، في حال أقدمت على خطوة ذهبت بأرواح مدنيين أبرياء".
وعن اشتباكات الأحد، رأى غوناي أن "تركيا تتأنى في كل خطوة عسكرية تريد الإقدام عليها حالياً، لأن الأولويات الحالية في الداخل التركي تصب لصالح إنهاء تفشي وباء كورونا في البلاد، كون الحكومة تعاني من ذلك، ولا سيما بعد الأزمة الاقتصادية التي أصابت البلاد أسوة بدول العالم، ولذلك فإن إنهاء أو التعامل مع تحرير الشام بعملية عسكرية واسعة أمر صعب ومستبعد في الوقت الراهن".
وأضاف أن "أنقرة قد تختار مواجهة التنظيم من خلال الوحدات المدربة على حرب الشوارع، ولديها هذه الوحدات التي تعاملت سابقاً مع تنظيمات مشابهة كالمجموعات الكردية، لكن الأفضل محاصرة هذا التنظيم وقطع الإمدادات العسكرية واللوجستية عنه، وهذا خيار أمام تركيا، فعملية حصاره ستشجع حتى المدنيين في الأماكن التي ينتشر بها على الانتفاض في وجهه من دون أن يتحمّلوا الكثير من الخسائر، بسبب الضعف الذي ستسبّبه المحاصرة لجسد التنظيم وبنيته".
من جهته، أشار الباحث في مركز "جسور للدراسات" وائل علوان، إلى أن "المواجهات التي حدثت الأحد بين القوات التركية وتحرير الشام هي تطور غريب خارج المألوف، غالباً هو خارج السياق العام، إذ تحرص تركيا على عدم الدخول في مواجهات داخل مناطق الفصائل، لا سيما مع الاختلاط بين المسلحين والمدنيين".
وأضاف أنه "لا قدرة ولا إرادة لهيئة تحرير الشام أو الفصائل الأخرى على الذهاب بعيداً بالخلافات أو المواجهات مع الحليف والشريك الوحيد الذي أوقف تقدّم النظام والقوات الروسية، لذلك لا يُتوقع أن تستمر أو تكبر هذه المواجهات والتوترات، حتى وإن كانت قد أدت إلى سقوط ضحايا وتبادل نيران، في حين أنه من المهم إدراك الأثر السلبي الذي ينعكس على هيئة تحرير الشام بالنظر إلى أنها غير قادرة على ضبط المشهد الداخلي على مستوى العناصر أو الحاضنة".
ورأى علوان أن "تحرير الشام موافقة على فتح الطريق الدولي وتسيير الدوريات على طوله، بل أكثر من ذلك، فالهيئة حريصة على فتح معبر تجاري مع النظام من سراقب يضمن لها مكاسب تجارية وعمولات، كما يكسب المنطقة حركة تجارية تخفف الضغوط عن حكومة الإنقاذ، لذلك أظن أن الاعتصامات والمماطلات في فتح الطريق هي أدوات تفاوضية لأمور أخرى، بعضها يتعلق بطبيعة الاتفاق التركي - الروسي وآثاره على المنطقة، لا سيما في جبل الزاوية، وبعضها يتعلق بالمصير وتخوفات وتحديات الوجود والاستمرار بالنسبة للهيئة".
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!