أسمى الملاح - خاص ترك برس
في حيّ دمشقي يتوسط زحمة الذاهبين والآيبين، يكفي أن تقف أمامه لتجد أكثر من زقاق فُتح لك لتعبر من السويقة إلى شارع خالد بن الوليد في منطقة تُدعى القنوات الدمشقية بحيّ قبر عاتكة، حيث يكثر الصالحون وأصحاب المهن البسيطة ويتوسط الحيَّ جامع زُيّنت مأذنته بأوراق الزرع التي امتدت عبر السنين.
وضع حجر أساس هذا الجامع في الفترة الزمنية المملوكية، حين بناه سيف الدين جقمق، ولكن وافته المنيّة قبل إتمام بنائه. وبعد اجتماع كبار عائلة الذهبي الذين كانوا يقطنون المنطقة - وما زال لليوم الشارع باسمهم - قرروا اكمال إعمار المسجد على كلفتهم الخاصة، لكن التصميم الذي أراده واضع حجر الأساس سيف الدين كان باهظ الثمن، فتم تغير المخطط وبُني بمأذنة ضخمة وحجر أبيض مع شرفة مربعة تقبع فوق المأذنة تطل على الحي بكامله، وهي المكان الذي ينادي منه المؤذن للصلاة من "جامع الذهبية" الدمشقي.
لكن قصة العابرين مختلفة، هنالك وجه تاريخي للقصة وهناك وجه من سكنوا المكان من كبار أهالي تلك المنطقة، فقد أخبرني العم خالد أن لهذا المكان قصة، وكم تكثر الأساطير، ومنها ما يصح ومنه ما تكمله في السرير...
تقول الأسطورة: "في زمن بعيد كثُر الخير وكثر الصالحون، وكانت هناك امرأة مليحة من أهل الصلاح والفلاح تسكن في غرفة في حيِّ قبر عاتكة. وفي يوم من الأيام، وقبل صلاة الفجر بقليل، شعرت بحركشة (بحركة) بأرض الديار (وسط الدار) فذهبت لترى فتحة بالأرض واقتربت منها وإذا حفرة فتحت في الأرض.
سمّت بالله ونزلت لترى كومات كثيرة من ليرات الذهب، وأصبحت تأخذ من الليرات الذهبية وتضعها على جانبي الحفرة، وفي أثناء عودة زوجها للمنزل من صلاة الفجر صرخت عليه بصوت قوي قالت: تعال ساعدني! وبمجرد لفظها لتلك العبارة جمدت أقدامها في الأرض ولم تستطع أن تحركهم، وبدأت الفتحة تغور وتغلق قليلاً فأكثر، صرخت لكن زوجها لم يستطع إخراج سوى شعرها الذهبي الذي بقي فوق الأرض بيد زوجها مع ليرات الذهب، وهي أغلق عليها. وبعد هذا ذهب الرجل ونادى الجيران الذين حفروا وحفروا ولم يجدو شيئا سوى التراب، ولم يصدقو الرجل، فبنوا مقامًَا صغيرًا وسموه "ستّنا الذهبية". ومع الأيام نُسيت ستنا، وبقي اسم الذهبية".
وقد تناقل سكان المنطقة أنه عند ترميم المسجد عام 1992، وضع القائمون على الترميم اسمًا جديدًا فوق بابه، هو اسم "الشيخ أبو الحسن الكردي"، وكان هذا الشيخ خارجاً إلى الصلاة، فأخبرهم أن يعيدوا اسم الجامع إلى أصله، وإلا لن يدخله، وحقاً بقي على اسمه حتى اليوم "الذهبية".
ويبقى لأحياء دمشق وجوامعها دمغتها في القلوب، فمعظم سكانها من طلابها، فإذا سألت أحدهم: "ما هو جامعك المفضل؟"، يبتسم لذكره ويبقى اسم شيخه في قلبه. قد تتبدل بنا الأزمان ونرتحل بين الأماكن، لكن القصص الشعبية تبقى حاضرة في حروفنا لمن يقرأ لنا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس