سعيد الحاج - عربي 21
ليس سراً أن العملية العسكرية التي حملت اسم "عاصفة الحزم" في اليمن عبر تحالف عشري تقوده المملكة العربية السعودية لحظة فارقة في تاريخ المنطقة الحديث، وأنها ستساهم بدرجة أو بأخرى في صياغة مستقبلها القريب على الأقل.
وبغض النظر عما إذا كانت أسبابها جيوبوليتيكية - مصلحية بحتة كما يدعي كاتب هذه السطور، أم أيديولوجية - مذهبية كما يرى أو يريد بعض المراقبين وكثير من النخب والأطياف الشعبية، وبغض النظر هل ستكون حرباً تكتيكية أم استراتيجية، قصيرة أو طويلة المدى، فإنها ستؤثر بكل تأكيد في العديد من قضايا وتطورات المنطقة، وباتت إطاراً لتفسير أو استشراف العديد من الأحداث، ربما يأتي في
مقدمتها سيناريو الاستنساخ في سوريا بقيادة تركية.
ولا شك أن عوامل عدة تغري بطرح السؤال وتوحي بإجابته، على رأسها الحلف المشكل والمفاجأة الحاصلة والارتباك الإيراني الواضح، إضافة إلى التشابهات غير القليلة بين المشهدين، خصوصاً لناحية امتلاك طهران حصراً زمام القرار في البلدين. فهل يمكن فعلاً تكرار المشهد في سوريا، أو على الأقل تمدده نحوها بتخطيط تركيا وقيادتها؟
وقبل التسرع في الإجابة عن السؤال، الذي أدعي أنه أعقد من أن تتم الإجابة عليه في مقال، وأعمق من أن يكون قد اتــُّخذ فيما يخصه أي قرار بعد، يجدر بنا الإشارة إلى أسباب الارتباك أو التحفظ الإيراني، وأهمها في رأينا:
أولاً، عنصر المفاجأة الذي كان حاضراً بدرجة أو بأخرى.
ثانياً، التحالف العشري الذي لن تكون إيران راغبة في مواجهته ككل، رغم اختلاف درجة المشارَكة بين الدول العشر بطبيعة الحال.
ثالثاً، بُعد الجغرافيا اليمنية عن إيران، وهو ما يؤخر دعمها، ويصعّب مشاركتها، ويزّهدها في دفع الأثمان الباهظة في سبيل ذلك.
رابعاً، مفاوضات الملف النووي التي كانت تدور رحاها في أثناء إطلاق العملية العسكرية (ولعل تلك المفاوضات كانت أحد أسبابها).
خامساً، غياب الحاجة لأي تدخل سريع أو متسرع، إذ إنه من المعروف للجميع، ومنهم إيران، أن الضربات الجوية لم ولن تحسم المعركة خصوصاً في فترة قصيرة، وبالذات لأنها ركزت على قوات الجيش المحسوبة على الرئيس اليمني المخلوع أكثر من الحوثيين. كما تجدر الإشارة إلى صعوبة القضاء على الحوثيين باعتبارهم قوة عسكرية تحظى بحاضنة شعبية (مثل حزب الله وحماس وداعش، مع الفوارق).
سادساً، امتلاك أوراق قوة وضغط يمكن تحريكها على المدين المتوسط والبعيد في عدد من الدول الخاضعة للنفوذ الإيراني (اليمن وسوريا والعراق)، إضافة إلى الخواصر الضعيفة للسعودية مثل منطقتها الشرقية والملف البحريني.
ولعل في هذه الأسباب وما بين سطورها ما يكفي للإشارة إلى الفوارق غير البسيطة بين المشهدين اليمني والسوري، بما يجعل من سيناريو الاقتباس صعب التحقيق جداً، خصوصاً على المدى القريب. لكننا في حاجة إضافية لاستحضار ما يلي:
أولاً، ثمة فارق كبير في الأهمية بين سوريا واليمن من الناحية الاستراتيجية بالنسبة لإيران، في ظل حقائق الجيوبوليتيك والدور والعمق.
ثانياً، لا يجب إغفال الدور الروسي الحاضر في سوريا بوضوح أكبر، وهو ما سيجعل أي حرب عسكرية في سوريا قراراً ذا طابع دولي وليس إقليمياً صرفاً.
ثالثاً، ينبغي التنبه لانعكاسات الاتفاق الإطاري الذي أبرمته إيران مع دول (5 زائد 1)، وهو ما قد يحرر يدها أكثر في الإقليم، خاصة سوريا.
رابعاً، إن أفق العملية العسكرية في اليمن هو تحقيق التوازن في المشهد السياسي وإعادة الجميع لطاولة الحوار، بينما سيكون الأفق في سوريا إسقاط النظام وفرض عملية انتقالية.
خامساً، تعذر - إن لم نقل استحالة - فتح جبهة جديدة قبل تحقيق إنجازات واضحة على الجبهة اليمنية، إضافة لافتقاد عنصر المفاجأة، وضعف فصائل المعارضة السورية، التي سيتوجب الاعتماد عليها في أي حرب هناك.
هكذا، لا يبدو سيناريو استنساخ التحالف في الحالة السورية مرجح الحدوث أو مضمون النتائج خاصة في المستقبل القريب، هذا من الناحية التكتيكية. أما من الناحية الاستراتيجية، فما زالت تركيا ملتزمة بمبدأ النأي بالنفس عن المواجهات المباشرة، وتجنب الدخول في حروب قد تحمل الطابع المذهبي أو العرقي، وتأكيدها وجود قرار دولي لأي حرب.
أيضاً، لم تنجح تركيا حتى الآن في تحصين جبهتها الداخلية وحدودها من خلال المناطق الآمنة وحظر الطيران، إضافة لافتقارها لعناصر القوة الخشنة واعتماد سياستها الخارجية حتى الآن على عناصر القوة الناعمة، رغم مؤشرات التعديل التي لاحت مؤخراً.
وفي كل الأحوال، سيكون من السابق لأوانه الحديث عن أي تطورات أو جبهات أخرى قبل اتضاح نتائج التحالف العشري وعملية "عاصفة الحزم" في اليمن، التي يبدو أنها ستحدد مدى ومكان ونتائج أهم التطورات في المنطقة، وعلى رأسها التدخل التركي في سوريا.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس