عبد القادر سلفي - صحيفة يني شفق - ترجمة وتحرير ترك برس*
لم يُنتخب رجب طيب أردوغان كرئيس جمهورية فقط، فقد أصبح الرجل الذي قيل عنه "لا يصلح حتى ليكون مختارا" رئيساً للجمهورية التركية.
الدعاء الذي جاء من " بنسلفانيا" على الرجل الطويل لم يُجد نفعاً. لقد اختاره الشعب لرئاسة الجمهورية. ليشكّل العاشر من آب/أغسطس 2014 ميلاداً لـ"تركيا الجديدة".
شاهدت أمس خطابات أردوغان من على الشرفة التي انطلقت منذ انتخابات 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2002 وحتى هذه الانتخابات. ففي كل مرة صعد كرئيس وزراء منتصر إلى ذلك المنبر، لكنه خرج بعد هذه الانتخابات على تلك الشرفة كرئيس الجمهورية التركية الثاني عشر.
لم يستطع أحد من منافسيه إلقاء خطاب النصر. فحتى "كلتشدار أوغلو" و"بهتشلي" لم يستطيعا إلقاء خطاب من تلك الشرفة ولو لمرة واحدة. ليصبح ذلك المكان في كل انتخابات مكاناً لمهرجانات واحتفالات حزب العدالة والتنمية. في تلك الاحتفالات تلقى الشعارات، وتعزف أغاني الانتخابات.
سأحاول نقل الأجواء التي عاشها أردوغان وأعضاء حزبه في تلك الليلة حسب ما رأيت وشاهدت وسمعت حيث كنت ضمن المهنئين لرئيس الجمهورية. لقد فاز حزب العدالة والتنمية بانتخابات عديدة، لكنني لم أشعر من قبل بنشوة نصر كهذه أمام المقر العام للحزب.
عند دخولي لمقرب الحزب العام، كان "بكر بوزداغ" وزير العدل أول من قابلت. تناقشنا حول نتائج الانتخابات، وتحدثنا أيضاً عن نتائج مدينة "يوزقات". فبرغم أن مدينة "يوزقات" تعتبر موطن المرشح "إحسان أوغلو" إلا أنّ أردوغان حسم الانتخابات في تلك المدينة لصالحه.
نزلنا إلى الأسفل حتى نقابل الرئيس الثاني عشر للجمهورية التركية. كان الوزراء وقادة الحزب هناك. شاهدت كلاً من "علي باباجان"، "بكر بوزداغ"، "عايشينور إسلام"، و"نهاد زيبكجي". بينما كان النواب وأعضاء مركز صنع القرار في حزب العدالة والتنمية ينتظرون مقابلة أردوغان.
في تلك الأثناء كان الجميع يبارك للجميع، وكانوا يتحدثون بينهم عن نتائج الانتخابات. وفجأة التفتنا إلى صوت مستشار أردوغان "مصطفى فارانك" حينما قال :"يصل الآن السيد رئيس الجمهورية". لم ينزل أردوغان من السيارة وإنما نزل رئيس جمهورية قرغيزستان. وقع خطأ في البروتوكول.
أردوغان لم يأت بموكبه الرسمي، وإنما جاء بحافلة تصدح بأغنيته الانتخابية. الساعة كانت تشير إلى العاشرة والنصف. كانت عائلته بجانبه، زوجته، أولاده، نسيبه وحفيده. ثم بدأ الوزراء يدخلون تباعاً بعد رئيس الوزراء.
كنت في نفس المكان ليلة الانتخابات المحلية والتي جرت في 30 آذار/مارس، كانت الأجواء تشعرنا بأن أردوغان جاء من حرب كبيرة. خرج كالمنتصر. لكن هذه المرة وخلافاً لذلك رأيت أردوغان مرتاحاً جداً.
رد على المهنئين بقوله :"ليكن خيراً لنا جميعا"، وعندما جاء إلينا باركنا له ومددت له يدي ولكن بنفس اللحظة مدّ ممثل أنقرة "سربيل تشيفيكجان" يده، فأخذ أردوغان يدانا الإثنتين مع بعضهما وقال: "هكذا يكون السلام أقوى". ضحكنا. لقد كان مستمتعاً.
في كل خطاباته السابقة من على هذه الشرفة كان يلقيه كرئيس للوزراء. أما هذه المرة فتحدث كرئيس الجمهورية التركية الثاني عشر.
قبل الخطاب قيل للوزراء وقادة الحزب أن أردوغان سيخرج بمفرده على تلك الشرفة. نعم لقد كان لوحده على الشرفة، لكنه لم يكن وحيداً، كانت ورائه أمة عظيمة. تحدث أردوغان كرئيس الجمهورية التركية "الجديدة"، لذلك احتوى خطابه العديد من التلميحات حول "تركيا الجديدة".
وقال: "في هذه الانتخابات لم يخسر أحد من شعبنا".
إذاً من خسر الانتخابات؟
أجاب أردوغان: "خسر الوضع الراهن، وخسر نظام الوصاية أيضاً".
أود أن أفتح قوسين هنا لأقول: كلمات أردوغان هذه لا تعني أنّ علينا التغاضي عن فشل المعارضة. فقد صعدوا بـ"مرشح مشترك" ثم هوى بهم الشعب إلى وادٍ سحيق. فلم يحصل أكمل الدين احسان أوغلو حتى على نسبة أصوات حزبي المعارضة معا. لذا على "بهتشلي" و"كلتشدارأوغلو" دفع ثمن ذلك. لا شك أنّ أحدهم سيدفع الفاتورة. لكن ما دام إعلامهم بهذا المستوى، فسيخرجونهم من هذا المأزق "كالشعرة من العجين". وهذا لن يفيد سوى بخسارتهم لانتخابات جديدة.
كما في كل انتخابات، مررت أمام المقر الرئيسي لكل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية. كان الجو جو عزاء. تابعت تحليل أعضاء حزب الشعب الجمهوري لكلمة "بهتشلي" والخلاصة: لم يعتبروا أبداً من نتائج الانتخابات.
دعونا نعود إلى خطاب أردوغان الهام جداً. لأنه كان كرئيس جمهورية يمثل وحدة وتماسك الشعب. وقال "سأكون رئيس جمهورية يحتضن 77 مليون إنسان بمودة واحترام". ولم يقل "نبارك لحزب العدالة والتنمية" وإنما قال "نبارك لتركيا".
رئيس الوزراء السابق، رئيس الجمهورية الجديد وجه نداءً للجميع حينما قال: "دعونا نترك الخلافات القديمة، التوترات القديمة، والنزاعات القديمة في تركيا القديمة". هذا نداء مهم جداً.
على مدار اثني عشر عاماً كان كرئيس للحزب يتنقل بين الميادين. كان قائداً يعمل للفوز في كل انتخابات. وقاوم كل محاولات تصفيته والانقلاب عليه وحتّى أسره. قاوم بكل قوة. والآن أصبح أردوغان رئيساً للجمهورية التركية.
كما كان رئيساً مختلفاً للوزراء على مدار اثني عشر عاماً، أعتقد جازماً بأنه سيكون رئيساً مختلفاً للجمهورية التركية.
أردوغان وخلال خطابه ضرب التاريخ بعمق عندما قال: "أقواس 27 أيار/مايو قد أغلقت"**.
الرحمة والبركة لروحك "مندريس".
---------------------------------------------------------------------------------------
* نشر الموضوع في صحيفة يني شفق تحت عنوان "قالوا:"لا يصلح لأن يكون مختارا"، فأصبح رئيسا للجمهورية"
** إضاءة: (في 27 أيار/مايو انقلب الجيش التركي على رئيس الوزراء "عدنان مندريس" وهو أول زعيم سياسي منتخب في تاريخ تركيا، وبعد ذلك تم إعدامه عام 1961) .
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!