علي حسين باكير - عربي 21
في ٢٧ تموز (يوليو) الماضي، غرّد إبراهيم كاراكول، رئيس تحرير صحيفة "يني شفق" التركية، قائلاً إنّ تركيا اتفقت بشكل مبدئي مع سلطنة عُمان على إقامة قاعدة عسكرية بحرية في المياه الإقليمية العُمانية. ربط البعض هذه التغريدة بالاجتماع الذي جرى في نفس اليوم بين مساعد وزير الخارجية التركي والأمين العام لوزارة الخارجية العُمانية حمد بو سعيدي وهو ما أوحى بأنّ كاراكول يشير إلى واحد من نتائج هذا الاجتماع، الأمر الذي أدى إلى خلق انطباع وهمي عن وجود مصداقية لهذا الخبر لدى البعض.
سرعان ما تلقّفت المنصّات التابعة أو المحسوبة على بعض الدول الخليجية كالإمارات والسعودية هذه الادعاءات لتشنّ هجوماً ضد تركيا بحجّة التوسع الإقليمي ومحاولة تخريب العلاقة الأخوية بين سلطنة عمان والإمارات. كما اتّهم البعض حزب العدالة بالترويج لمثل هذه الادعاءات بشكل عمدي. وبالرغم من ذلك، فإن هناك من أرجع أصل هذه الإشاعة أيضاً إلى حسابات وهميّة مصدرها أبوظبي والرياض لاستخدامها كبالون اختبار ضد سلطنة عُمان ومهاجمة تركيا.
بغض النظر عن هذه الاجتهادات، ليس سراً أنّ إبراهيم كاراكول يُعتبر من الشعبويّين الذين نادراً ما تتّصف أخبارهم أو معلوماتهم بالدقّة. ولذلك، فإنّ الانطباع الأوّل الذي من الممكن أن تخلقه مثل هذه الإشاعة هو أنّها غير صحيحة. لكن ماذا يقول التحليل بشأن هذا الأمر؟
المتابع لطبيعة السياسة الخارجية العُمانية فضلاً عن شكل العلاقة بين تركيا وعُمان يعلم أنّ مثل هذا الخبر هو غير صحيح، أقلّه في الظروف الحالية. إقامة قاعدة عسكرية يُعبّر بالضرورة عن شكل استراتيجي في العلاقة بين بلدين. وفضلاً عن عمق العلاقات الثنائية، يتطلب مثل هذا الأمر قدراً كبيراً من التناغم السياسي وتقاطعاً غير مؤقّت في الأجندات والرؤى والمخاطر.
وبالرغم من أن العلاقات التركية-العُمانيّة هي علاقات جيّدة وصاعدة في أكثر من مستوى، إلاّ أنّ المعطيات السابقة غير موجودة في مجملها في كنه العلاقات التركية-العمانية التي تحتاج إلى مزيد من الوقت والجهد وإلى تحوّل راديكالي في المشهد الإقليمي قبل أن نقول إنّها وصلت إلى المستوى الذي يسمح للطرفين بإقامة قاعدة عسكرية، إذا كانت عُمان بحاجة إلى مثل هذا الأمر بطبيعة الحال.
لعُمان طابعها الخاص أيضاً في السياسة الخارجية والحسابات الإقليمية والتموضع الدولي، وهذه كلها عوامل يجب أن تُؤخذ بعين الاعتبار عند فحص مثل هذا الخبر أو الإشاعة. فبخلاف تركيا، تُحبّذ عُمان أن تكون سياستها الخارجية تحت الرادار بعيداً عن الصخب والأضواء، وقد أتاح لها هذا الأمر أن تلعب أدواراً مهمّة في جمع الأمريكيين والإيرانيين، وربما الإسرائيليين والإيرانيين أيضاً فيما مضى.
أمّا في ما يتعلق بالتعاون العسكري بين تركيا وسلطنة عُمان، فهو على قدر كبير من التقدم. في عام 2018، شهدت صادرات الصناعات العسكرية التركية إلى سلطنة عُمان تقدّماً ملحوظاً، وذلك بفضل العقد الذي أبرمته السلطنة مع شركة (اف ان اس اس) التركية لتصنيع المدرّعات العسكرية، وأصبحت السلطنة بموجبه واحدة من أكبر مستوردي المنتجات الدفاعية من تركيا متجاوزة بذلك قطر والإمارات والسعودية. تبع ذلك، عقد لشراء السلطنة ١٤ زورقا سريعا لصالح خفر السواحل العماني من طراز هرقل الذي يصنّع من قبل "حوض أريس لتصنيع السفن" في أنطاليا. وقد سلّمت أنقرة بموجب العقد عدداً من هذه الزوارق في العام ٢٠١٩ و٢٠٢٠.
كما قامت شركة "هاولسان" في العام ٢٠١٨ بافتتاح مقر دائم لها في السلطنة بعد أن كانت قد قدّمت خدمات دفاعية للبلاد من بينها بيع أنظمة قيادة وتحكّم ومعلومات لتطوير الأداء العسكري للقوات العُمانية، وتدريب عدد من الكوادر العُمانية المتخصصة لاستخدام هذه الأنظمة وإجراء عمليات الصيانة المطلوبة. ونتيجة للمنجزات التي حققها الطرفان، فقد تقرر إنشاء شراكة عُمانية مع "هاولسان" بنسبة ٧٠٪ لتركيا و٣٠٪ لعُمان، وجرى افتتاح المقر الجديد في مارس الماضي ٢٠٢٠. يأمل الجانب التركي أن يتم البناء على ما تحقّق حتى الآن في هذا المجال وأن يزيد التعاون العسكري بين الطرفين بشكل أوثق في المستقبل، لكن ذلك ليس مؤشراً على وجود خطّة لقاعدة بحرية.
في ما يتعلق بتموضع عُمان إقليمياً، من المعروف أنّها قريبة جداً من إيران، ولذلك فإن السلطنة حذرة من أن يُفهم انفتاحها على أي من اللاعبين الجديد بشكل خاطئ من قبل إيران التي لا تحبّذ بالتأكيد تواجداً تركياً في الخليج العربي. بعد الأزمة الخليجية التي اندلعت في عام ٢٠١٧ بعد أن فرضت السعودية والإمارات والبحرين ومصر حصاراً برياً وبحرياً وجوياً على دولة قطر، أصبحت الدول الخليجية الأخرى تبحث عن ضمانات أمنية لها من خارج دول مجلس التعاون.
عزّزت سلطنة عُمان من علاقاتها مع قطر والكويت، وراحت تنظر هي الأخرى في توثيق الضمانات الأمنيّة الخارجية لاسيما بعد أن بدا الموقف الأمريكي متردّداً في بداية الأزمة. لكنّ علاقاتها المتنامية مع تركيا في ذلك الوقت كانت من أجل تحقيق التوازن الإقليمي في علاقاتها مع إيران ودول المجلس كالسعودية بما يضمن لها تعزيز دورها الحيادي أو كما تحب أن تسميه. أمّا التحالفات الخارجية، فبالرغم من أنّ تركيا كانت خياراً بالنسبة إلى البعض كقطر، إلاّ أنّ البعض الآخر، كالسلطنة على سبيل المثال، اختار الاستعانة ببريطانيا على سبيل المثال.
وعليه، فقد اتفق الطرفان العُماني والبريطاني في العام ٢٠١٨ على افتتاح قاعدة عسكرية، كما أنهما وقّعا في العام ٢٠١٩ على اتفاقية دفاع مشترك. ولذلك، وبغض النظر عمّا إذا كانت تركيا مهتمة بشكل حقيقي بافتتاح قاعدة بحرية في سلطنة عُمان، فإن المعطيات الحالية تشير إلى أنّ ذلك غير ممكن، أقلّه على المدى القصير، وأنّ الأولويّة ستُعطى إلى التركيز على تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية مع السلطنة.
هل أعجبك الموضوع؟ شاركه مع أصدقائك!
مواضيع أخرى للكاتب
مقالات الكتاب المنشورة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي ترك برس